الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

الكِفْل: النصيب.

يا أيها الذين آمنوا - أي: اعتقدوا توحيده وعلمه وقدرته وصدّقوا بأنبيائه (عليهم السلام)، - اتقوا الله - فيما نهاكم عنه من قبائح الأفعال ورذائل الصفات - وآمِنوا برسوله -: محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

أو: يا أهل الكتاب الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وعن ابن عباس: يا أيها الذين آمَنوا ظاهراً، آمِنوا باطناً، يعطكم نصيبين من رحمته، نصيباً لإيمانكم بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ونصيباً لإيمانكم بمن قبله من الأنبياء (عليهم السلام)، إن كان خطاباً لمؤمني أهل الكتاب، ولا يبعد أن يُثابوا بما عملوا في دينهم السابق وإن كان منسوخاً.

هكذا قيل، وفيه تفصيل: فإنهم إن لم يكونوا معاندين، بل كانوا منقادين للحق إذا ظهر عليهم، فكل ما عملوا سابقاً طلباً لمرضاة الله، كانوا مثابين به إلى أن وصل إليهم صيت الإسلام، فإذا اجتهدوا في تحقيق الأمر حتى ظهر لهم، فلا شبهة في أن لهم كفلين من رحمة الله، وان لم يكونوا كذلك، بل كانوا متعصبين لدينهم، متصامّين عن استماع الحق، فلا اعتداد بالأعمال التي فعلها الإنسان تعصباً وتجاهلاً من غير طلب البصيرة.

وقيل: الخطاب للنصارى، الذين كانوا في عهده (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وان كان خطاباً لغير أهل الكتاب فالمعنى: اتقوا الله وأثبتوا على إيمانكم برسوله يؤتكم ما وعد مؤمني أهل الكتاب من الكِفْلَين في قوله:أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } [القصص:54]. ولا ننقصكم من مثل أجرهم لإنكم مثلهم في أنكم لا تفرقون بين أحد من رسله.

ويجعل لكم يوم القيامة نوراً تمشون به - اي: هدى يهتدون به.

وعن ابن عباس: " النور ": القرآن، لما فيه من الأدلة النيّرة على كل حق، والهداية إلى كل خير، وبه الاستحقاق لحصول الضياء في القلب الذي يمشي به يوم القيامة.

ويغفر لكم - أي: يستر عليكم ذنوبكم التي أسلفتم من الكفر والمعاصي.

روى سعيد بن جبير: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جعفراً في سبعين راكباً إلى النجاشي يدعوه، فقدم عليه ودعاه، فاستجاب له وآمن به، فقال أناس ممن آمن به من أهل مملكته، وهم أربعون رجلاً: " إئذن لنا فنأتي هذا النبي فنسلم ".

فأذن لهم. فقدموا مع جعفر، وقد تهيأ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لوقعة أحد، فلما رأوا ما بالمسلمين من خصاصة، استأذنوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فرجعوا وقدِموا لهم بأموال لهم، فواسوا بها المسلمين، فأنزل الله فيهم:ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } [القصص:52] الى قوله:وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [القصص:54].

فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن به قوله

السابقالتالي
2