يقول الحق جلّ جلاله: { هل أتاك حديثُ ضَيف إِبراهيمَ } استفتح بالاستفهام التشويقي، تفخيماً لشأن الحديث، وتنبيهاً على أنه ليس مما عَلِمَه رسولُ الله صلى الله علي وسلم بغير طريق الوحي. والضيف في الأصل: مصدر: كالزوْر، والصوع، يصدق الواحد والجماعة، قيل: كانوا اثني عشر مَلَكاً، وقيل: تسعة عاشرهم جبريل. وجعلهم ضيفاً لأنهم في صورة الضيف، حيث أضافهم إبراهيم، أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك. قوله { المُكْرَمين } أي: عند الله، لأنهم عباد مكرمون، أو عند إبراهيم، حيث خدمهم بنفسه، وأخدمهم امرأته، لهم القِرَى. { إِذا دخلوا عليه } ظرف للحديث، أو لِمَا في الضيف من معنى الفعل، أو بالمكَرمين، إن فسر بإكرام إبراهيم لهم، { فقالوا سلاماً } أي: نُسلِّم عليك سلاماً، { قال } إبراهيم: { سلامٌ } أي: عليكم سلام. عدل به إلى الرفع بالابتداء للقصد إلى الثبوت والدوام حتى تكون تحيته عليه السلام أحسن من تحيتهم، وهذا أيضاً من إكرامه، { قومٌ مُنكَرُون } أي: أنتم قوم مُنكَرون، لا نعرفكم، فعرّفوني مَن أنتم. قيل: إنما أنكرهم لأنهم ليسوا ممن عهدهم مِن الناس، أو: لأن أوضاعهم وأشكالهم خلاف ما عليه الناس، وقيل: إنما قال ذلك سِرّاً ولم يخاطبهم به، وإلا لعرّفوه بأنفسهم. { فَرَاغَ إِلى أهله } أي: ذهب إليهم في خِفيةٍ من ضيوفه، فالروغان: الذهاب بسرعة، وقيل: في خفية. ومن آداب المضيف أن يبادر الضيف: بالقِرَى، وأن يخفى أمره من غير أن يشعر به الضيف، حذراً من أن يكفّه، وكان عامة مال إبراهيم البقر. { فجاء بعِجْلٍ سمينٍ } الفاء فصيحة تُفصح عن جُملٍ حّذفت لدلالة الحال عليها، وإيذاناً بكمال سرعة المجيء، أي: فذبح عجلاً فَحَنَذَه، فجاء به، { فقرَّبه إِليهم } بأن وضعه بين أيديهم حسبما هو المعتاد، فلم يأكلوا، فـ { قال ألا تأكلونَ } أنكر عليهم ترك الأكل، أو: حثَّهم عليه، { فَأَوْجسَ } أضمر { منهم خيفةَ } خوفاً، لتوهُّم أنها جاؤوا للشر لأن مَن لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمِامك. عن ابن عباس رضي الله عنه: وقع في نفسه أنهم ملائكة أُرسلوا للعذاب. { قالوا لا تَخَفْ } إنَّا رُسل الله. قيل: مسح جبريل العِجْل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه، فعرفهم وأمِن منهم، { وبشَّروه بغلام عليم } أي: يبلغ ويكون علماً، وهو إسحاق عليه السلام. { فأقبلت امرأتُه } سارة لمَّا سمعت بشارتهم إلى بيتها، وكانت في زاوية منه تنظر إليهم، { في صَرَّةٍ } صيحة، من الصرير، وهو الصوت، ومنه: صرير الباب وصرير الأقلام. قال الزجَّاج: الصرّة: شدّة الصياح. وفي القاموس الصرّة: - بالكسر: أشد الصياح، وبالفتح: الشدة من الكرب والحرن والحر والعطفة والجماعة وتغضيب الوجه. هـ. ومحله النصب على الحال، أي فجاءت صارة، وقيل: صرتها: قولها:{ يَا وَيْلَتَى ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ... } [هود: 72] أو: فجاءت مغضّبة الوجه، كما هو شأن مَن يُخبر بشيء غريب، استبعاداً له، { فصَكَّتْ وجهها } لطمته ببسط يدها، وقيل: ضربت بأطراف أصابعها جبهتها، فعل المتعجِّب، { وقالت عجوزٌ عقيم } أي: إنها عجوز عاقر، فكيف ألد؟!.