الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قلت: { أو } عاطفة، و { كالذي }: معطوف على الموصول المجرور بإلى، أي: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه، وإلى مثل الذي مرّ على قرية. وإنما أدخل حرف التشبيه لأن المُنكر للإحياء كثيرٌ، والجاهل بكيفيته أكثر، بخلاف مدعي الربوبية فإنه قليل. وقيل: الكاف مزيدة، والتقدير: ألم تر إلى الذي حاج وإلى الذي مرَّ، و { أنَّى }: ظرف ليُحيي، بمعنى: متى، أو حال بمعنى كيف، و { يتسنه } بمعنى يتغير، وأصله: يتسنن، فأبدلت النون الثالثة حرف علة. قال في الكافية:
وثَالِثَ الأمثَالِ أبدِلَنْه يا نحو تَظَنَّى خالدٌ تَظَنِّيَا   
فصار تَسَنَّى ثم حُذفت للجازم، وأتى بهاء السَّكْت، وقفا ووصل، كالعِوض من المحذوف، وقيل: من السَّنة، وهو التغير، فالهاء أصلية، و { لنجعلنك }: معطوف على محذوف، أي: لتعتبر ولنجعلك آية للناس. يقول الحقّ جلّ جلاله: ألم تر يا محمد أيضاً إلى مثل الذي { مرَّ على قرية } ، وهو عُزَير، حَبْرُ بني إسرائيل - وقيل: غيره - مرَّ على بيت المقدس حين خربها بُختنصر { وهي خاوية } ساقطة حيطانها { على عروشها } أي: سقفها، وذلك بعد مائة سنة حتى سقطت العروش، ثم سقطت الحيطان عليها، فلما رآها خالية، وعظام الموتى فيها بالية، { قال } في نفسه: { أنَّى يحيي هذ الله بعد موتها } أي: متى يقع هذا. اعترافاً بالقصور عن معرفة طريق الإحياء، واستعظاماً لقدرة المحيي، إن كان القائل عزيراً، أو استبعاداً إن كان كافراً، { فأماته الله مائة عام } أي: ألبثه ميتاً مائة عام، { ثم بعثه } بالإحياء، فقال له على لسان الملك، أو بلا واسطة: { كم لبثت } ميتاً؟ { قال لبثت يوماً أو بعض يوم } ، وذلك أنه مات ضحى وبعث بعد مائة عام قبل غروب الشمس، فقال قبل النظر إلى الشمس { يوماً } ، ثم التفت فرأى بقية منها، فقال: { أو بعض يوم } على الإضراب، قال له الحقّ جلّ جلاله: { بل لبثت مائة عام }. وذلك أن عزيراً ذهب ليخترف لأهله فجعل على حماره سَلة عنب وجَرَّة عصير. فلما مرَّ بتلك القرية ربط حماره، وجعل يتعجب من خرابها وخلائها بعد عمارتها، فقال في نفسه ما قال، فلطف الله به، وأراه كيفية الأحياء عياناً، فأماته مائة عام، حتى بليت عظام حماره وبقي العصير والعنب كأنه حين جنى وعصر فقال له جلّ جلاله: { فانظر إلى طعامك } وهو العنب، { وشرابك } وهو العصير، { لم يتسنه } ، أي: لم يتغير بمرور الزمان وطول المدة، { وانظر إلى حمارك } كيف تفرقت أوصاله، وبليت عظامه، فعلنا ذلك بك لتشاهد قدرتنا، { ولنجعلك آية للناس } بعدك، { وانظر إلى العظام } أي: عظام حمارك، { كيف ننشرها } ، أي: نحييها، من نَشَرَ الله الموتى: أحياها. أو: { كيف ننشزها } بالزاي - أي: نرفع بعضها، ونركبه عليه، { ثم نكسوها لحماً }.

السابقالتالي
2