الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

المفردات: الكاف في قوله " أو كالذي " بمعنى مثل فهي اسم ومن الشواهد على ذلك قول الراجز:
بيض ثلاث كنعاج جُمّ   يضحكن عن كالبرد المنهمِّ
أي عن ثنايا مثل حبّ البرد الذائب وقول الشاعر:
أتنتهون ولن ينهي ذوي شطط   كالطعن يذهب فيه الزيت والفتلُ
وزعم الجلال أنّها زائدة انتصاراً لمذهب البصريين الذين أنكروا مجيء الكاف بمعنى مثل ولكن المعنى لا يستقيم كما يليق ببلاغة القرآن إلاّ على الأول. قال الأستاذ الإمام: إنّ تحكيم مذاهبهم النحوية في القرآن ومحاولة تطبيقه عليها وإن أخلّ ذلك ببلاغته - جراءة كبيرة على الله تعالى وإذا كان النحو وجد لمثل ذلك فليته لم يوجد. والقرية بالفتح الضيعة والمصر الجامع وأصل معنى المادّة الجمع ومنه قرية النمل لمجتمع ترابها ويعبّر بالقرية عن الأُمّة. والخاوية الخالية يقال خوى المنزل خواء، وخوى بطن الحامل وقيل يعني ساقطة من خوى النجم إذا سقط. والعروش السقوف. ويتسنّه يتغيّر بمرور السنين وإشتقاقه من السنة. فهاؤه أصلية يقال سنة (كتعب) أتت عليه السنون وتسنّهت النخلة أتت عليها السنون وتسنّه الطعام تكرج وتعفّن لطول الزمن أو أصله تسنّى أو تسنّن والهاء للسكت. وننشزها بالزاي نرفعها من أنشزه إذا رفعه. وننشرها بالراء نقويها ومنهما حديث أبي داود " لا رضاع إلاّ ما أنشز العظم وأنبت اللحم ".

التفسير: قال الأستاذ الإمام ما ملخّصه: للمفسّرين في الآية قولان: أحدهما: أنّ هذا الذي مرّ على القرية كان من الصديقين أو الأنبياء. وثانيهما: أنّه كان من الكافرين وهو ضعيف لأنّ الكافر لا يؤيّد بآيات الله فالكلام على الوجه الأول وهو الصحيح مثل لهداية الله تعالى للمؤمنين وإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما كان شأن إبراهيم مع ذلك الكافر. وقالوا إنّ هذا لا يصحّ أن يكون معطوفاً على قصّة الذي حاجّ إبراهيم في ربّه، لأن ذلك منكر. وردّ على طريقة التعجيب والإنكار لأنّ من شأن مثله أن لا يقع. وهذا وإن كان عجيباً لا يصحّ إنكار وقوعه لأنّ الشبهة قد تعرض للمؤمن وهو مؤمن فيطلب المخرج بالبرهان فيهديه الله إليه بما له من الولاية والسلطان على نفسه، ويخرجه من ظلمات الشبهة والحيرة إلى نور البرهان والطمأنينة. وقد قدروا هنا " أرأيت " لإثبات التعجيب دون الإنكار أي { أَوْ } أرأيت { كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } أي مثل الذي مرّ على قرية في إلمام ظلمة الشبهة به وإخراج الله إيّاه منها إلى النور. وقد أبهم الله تعالى هذا المارّ وهذه القرية، فلم يذكر مكانها وأصحابها، بل اقتصر على الوصف الذي به تقرّر الحجّة حتى لا يشغل القارئ أو السامع عنها شاغل. فهو من الاختصار البليغ ولكن المفسّرين أبوا إلاّ أن يبحثوا عنها وعمّن مرّ بها، فقال بعضهم إنّها قرية الذين خرجوا من ديارهم وقيل غير ذلك وقيل إنّ الذي مرّ أرمياء وقيل العزير رجماً بالغيب أو تسليماً للإسرائيليات.

السابقالتالي
2 3 4