الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله تعالى: { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أي: احذروا ما ينشأ عن الخلاف وافتراق الكلمة من القتل وغيره.

قال الزبير رضي الله عنه: لقد قرأناها زماناً وما ندري أنا من أهلها، فإذا نحن المعنيون بها.

وقال الحسن: نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير.

قال السدي: أصابتهم الفتنة يوم الجمل.

{ لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } بل تشمل الصالح والطالح، وكأن المراد قتل الذين ظلموا وأفسدوا في الأرض بقتل الإمام العادل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فعظمت البلوى وعمّت الفتنة، وأفضت الحال إلى قتل خيار المسلمين والملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كطلحة والزبير ومحمد بن طلحة المعروف بالسَّجاد.

وكان علي عليه السلام يقول في ذلك اليوم: إياكم وصاحب البرنس -يريد السَّجاد-. فكان إذا حمل عليه أحد يقول: نشدتك بحم، فيرجع، حتى حمل عليه بعضهم فناشده فلم يرجع، وأنفذه بالرمح، وأنشد:
وأشعثُ قوَّام بآيات ربه    قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
يناشدني حم والرمح شاجر    فهلا تلا حم قبل التقدم
ضممت إليه بالقناة ثيابه    فخرَّ صريعاً لليدين وللفم
على غير شيء غير أن ليس تابعاً   علياً ومن لم يتبع الحق يظلم
فلما وقف علي عليه السلام عليه صريعاً بكى واسترجع، وقال: والله هذا فزع قريش.

فإن قيل: هل تجد في قوله: { لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } معنًى اقتضاه التعيين بقوله: " منكم "؟

قلت: نعم. وهو التعريض بتعظيم ما عساه أن يصدر من السادة القادة، بُدور الهدى وبحور الندى رضي الله عنهم، فإنهم لموضع اختصاصهم وظهور فضلهم وشرفهم يُستعظم منهم ما يصدر عنهم.
كفوفة الطرف تخفي من حقارتها    ومثلها في سواد العين منظور
وقال ابن عباس: في هذه الآية أمرٌ للمؤمنين أن لا يقرّوا المنكر بين أظهرهم فيعمّهم الله بالعذاب.

وفي مسند الإمام أحمد والصحيحين من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بُعثوا على أعمالهم ".

فعلى هذا القول؛ يكون المراد بالفتنة: العذاب.

فإن قيل: كيف دخلت النون المؤكدة في جواب الأمر؟

قلت: لتضمن الجواب معنى النهي.

قال الفراء: هو جزاء فيه طرف من النهي، كما تقول: انزل عن الدابة لا تطرحك ولا تطرحنك.

وقال جماعة من نحاة الكوفة: أمرهم ثم نهاهم، وفيه طرفٌ من الجزاء وإن كان نهياً، مثل قوله:يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } [النمل: 18].