الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ وَٱلْوَالِدَاتُ } المطلقات اللاتي لهنّ أولاد من أزواجهنّ المطلقين ولدنهم قبل الطلاق أو بعده { يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } يعني أنهنّ أحق برضاعهنّ من غيرهنّ، أمر استحباب لا أمر إيجاب من أنه رضاعهن عليهنّ لأنه سبحانه وتعالى قال في سورة الطلاقفَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [الطلاق: 6] إلىلَهُ أُخْرَىٰ } [الطلاق: 6].

ثم بيّن حدّ الرضاع فقال: { حَوْلَيْنِ } أي سنتين، وأصله من قولهم: حالَ الشيء إذا انتقل وتغيّر { كَامِلَيْنِ } على التأكيد كقوله تلك عشرة كاملة، وقال أهل المعاني: إنما قال { كَامِلَيْنِ } لأنّ العرب تقول: أقام فلان مقام كذا حولين أوشهرين وإنما أقام حولا وبعض آخر، ويقولون: اليوم يومان مذ لم أره، وإنما يعنون يوماً وبعض آخر، ومنه قوله { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } ومعلوم أنه يتعجل أو يتأخر في يوم ونصف، ومثلها كثير، فبيّن الله أنهما حولان كاملان أربعة وعشرين شهراً من يوم ولد إلى أن يُفطم.

واختلف العلماء في هذا الحدّ أهو حدّ لكل مولود أو حدّ لبعض دون بعض؟ فروى عكرمة عن ابن عباس: إذا وضعت لستة أشهر فإنها ترضعه حولين كاملين، أربعة وعشرين شهراً، وإذا وضعته لسبعة أشهر أرضعته ثلاثة وعشرين شهراً، وإذا وضعته لتسعة أشهر أرضعته إحدى وعشرين شهراً، كل ذلك تمام ثلاثين شهراً، قال الله تعالى:وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } [الأحقاف: 15].

وقال قوم: هو حدّ لكل مولود في وقت وأن لا ينقص من حولين ولا يزيد إلاّ أن يشاء الزيادة؛ فإن أراد الأب يفطمه قبل الحولين ولم ترضَ الأُم فليس له ذلك، وإذا قالت الأُم: أنا أفطمه قبل الحولين، وقال الأب: لا، فليس لها أن تفطمه حتى يتفقا جميعاً على الرضا، فإن اجتمعا قبل الحولين فطماه وإن اختلفا لم يفطماه قبل الحولين، وذلك قوله { عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ } ويشاور هذا قول ابن جريج والثوري ورواية الوالبي عن ابن عباس.

وقال آخرون: المراد بهذه الآية الدلالة على الرضاع ما كان في الحولين، فإنّ ما بعد الحولين من الرضاع يحرم، وهو قول علي وعبد الله وابن عباس وابن عمر وعلقمة والشعبي والزهري، وفي الحديث: " لا رضاع بعد الحولين " ، وإنما يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم.

وقال قتادة والربيع: فرض الله عزّوجل على الوالدات أن يرضعن أولادهنّ حولين كاملين ثم أنزل الرخصة والتخفيف بعد ذلك فقال: { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } أي هذا منتهى الرضاع، وليس فيما دون ذلك وقت محدود، وإنما هو على مقدار صلاح الصبي وما يعيش به، وقرأ أبو رجاء { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } بكسر الراء، قال الخليل والفرّاء: هما لغتان، مثل الوِكالة والوَكالة والدِّلالة.

وقرأ مجاهد وابن محجن (لمن أراد أن يتم الرضعة) وهي فعلة كالمرّة الواحدة، وقرأ عكرمة وحميد وعون العقيلي (لمن أراد أن تتم الرضاعة) بتاء مفتوحة ورفع الرضاعة على أن الفعل لها، وقرأ ابن عباس (يكمل الرضاعة).

السابقالتالي
2 3 4 5