الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

في " الَّذِينَ " أوجهٌ:

أحدها: أنَّها مبتدأٌ لا خبر له، بل أخبر عن الزوجات المتصل ذكرهنَّ به؛ لأنَّ الحديث معهنَّ في الاعتداد، فجاء الخبر عن المقصود، إذ المعنى: من مات عنها زوجها، تربَّصت، وإليه ذهب الكسائيُّ والفراء؛ وأنشد الفراء: [الطويل]
1130- لَعَلِّيَ إِنْ مَالَتْ بِيَ الرِّيحُ مَيْلَةً   عَلَى ابْنِ أَبِي ذِبَّانَ أَنْ يَتَنَدَّمَا
فقال: لَعَلِّيَ " ثم قال: " أَنْ يَتَنَدَّمَ " فأخبر عن ابن أبي ذِبَّانَ، فترك المتكلم؛ إذ التقدير: لعلَّ ابن أبي ذبَّان أن يتندَّم إن مالت بي الرِّيح ميلةً. وقال آخر: [الطويل]
1131- بَنِي أَسَدٍ إِنَّ ابْنَ قَيْسٍ وَقَتْلَهُ   بِغَيْرِ دَمٍ دَارُ المَذَلَّةِ حُلَّتِ
فأخبر عن قتله بأنه دار مذلَّةٍ، وترك الإخبار عن ابن قيسٍ.

وتحرير مذهب الكسائيِّ والفرَّاء: أنه إذا ذكر اسمٌ، وذكر اسم مضافٌ إليه فيه معنى الإخبار ترك عن الأول، وأخبر عن الثاني؛ نحو: " إنَّ زَيْداً وَأُخْتهُ مُنْطَلِقَةٌ " ، المعنى: إن أخت زيدٍ منطلقةٌ، لكنَّ الآية الكريمة والبيت الأول ليسا من هذا الضَّرب، وإنما الذي أورده شبيهاً بهذا الضرب. قوله: [الوافر]
1132- فَمَنْ يَكُ سَائِلاً عَنِّي فَإِنِّي   وَجِرْوَةَ لاَ تَرُودُ وَلاَ تُعَارُ
وأنكر المبرد والزجاج ذلك؛ قالا: لأن مجيء المبتدأ بدون الخبر محال، وليس هذا موضع البحث في هذا المذهب ودلائله.

الثاني: أنَّ له خبراً اختلفوا فيه على وجوه:

أحدها: أنه " يَتَرَبَّصْنَ " ، ولا بدَّ من حذفٍ يصحِّحُ وقوع هذه الجملة خبراً عن الأول؛ لخلوِّها من الرابط، والتقدير: وأزواجُ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ يَتَرَبَّصْنَ؛ ويدلُّ على هذا المحذوف قوله: { وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً } فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لتلك الدلالة عليه. والتقدير: يتربَّصن بعدهم، أو بعد موتهم، قاله الأخفش.

وثالثها: أنَّ " يَتَرَبَّصْنَ " خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، التقدير: أزواجهم يتربَّصْنَ، وهذه الجملة خبرٌ عن الأوَّل، قاله المبرِّد.

ورابعها: أنَّ الخبر محذوفٌ بجملته قبل المبتدأ، تقديره: فيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفَّون، ويكون قوله " يَتَرَبَّصْنَ " جملةً مبيِّنَةً للحكم، ومفسِّرة له، فلا موضع لها من الإعراب، ويعزى هذا لسيبويه.

قال ابن عطيَّة: وَحَكَى المَهْدَوِيُّ عن سيبويه أنَّ المعنى: " وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُم الذين يُتَوَفَّونَ " ، ولا أعرفُ هذا الذي حكاه؛ لأنَّ ذلك إنما يتَّجه إذا كان في الكلام لفظ أمرٍ بعد المبتدأ، نحو قوله تعالى:وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ } [المائدة:38]ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ } [النور:2] وهذه الآية فيها معنى الأمر، لا لفظه، فتحتاج مع هذا التقدير إلى تقدير آخر يستغنى عنه إذا حضر لفظ الأمر.

وخامسها: أن بعض الجملة قام مقام شيء مضافٍ إلى عائدِ المبتدأ، والتقدير: " وَالَّذِينَ يُتَوفَّوْنَ مِنْكُمْ ويَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ أَزْوَاجُهُمْ " فحذف " أَزْوَاجُهُمْ " بجملته، وقامت النون التي هي ضمير الأزواج مقامهنَّ بقيد إضافتهنَّ إلى ضمير المبتدأ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6