الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }

قوله تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ }: " أم " هذه فيها أربعةُ أقوالٍ: أنْ تكونَ منقطعةً فتتقدَّر بـ " بل " والهمزةِ. فـ " بل " لإِضرابِ انتقالٍ من إخبارٍ إلى إخبارٍ، والهمزةُ للتقريرِ. والتقديرُ/:بل أحَسِبْتُم. والثاني: أنها لمجردِ الإِضرابِ من غير تقديرِ همزةٍ بعدها، وهو قولُ الزجاج وأنشد:
922 ـ بَدَتْ مثل قَرْنِ الشمسِ في رَوْنَقِ الضحى   وصورتِها أم أنتَ في العينِ أَمْلَحُ
أي: بل أنت. والثالث: وهو قولُ بعض الكوفيين أنها بمعنى الهمزةِ فعلى هذا يُبْتَدَأُ بها في أولِ الكلامِ. ولا تحتاجُ إلى الجملةِ قبلَها يُضْرَبُ عنها. والرابع: أنها متصلةٌ، ولا يَسْتَقِيمُ ذلك إلا بتقديرِ جملةٍ محذوفةٍ قبلَها، فقدَّرَهُ بعضُهم: فَهَدَى اللَّهُ الذين آمنوا، فصَبَروا على استهزاءِ قومهم، أفتسلُكون سبيلَهم أم تحسَبون أن تدخلوا الجنة من غير سلوكِ سبيلهِم.

و " حَسِبْتُم " هنا من أخوات " ظنَّ " ، تنصبُ مفعولَيْن أصلُهما المبتدأ والخبرُ، و " أَنْ " وما بعدَها سادَّةٌ مَسَدَّ المفعولَيْنِ عند سيبويهِ، ومسدَّ الأولِ والثاني محذوفٌ عند أبي الأخفش، كما تقرَّر ذلك. ومضارِعُها فيه الوجهان: الفتحُ - وهو القياسُ - والكسرُ. ولها من الأفعالِ نظائِرُ، سيأتي ذلك في آخرِ السورةِ، ومعناها الظنُّ، وقد تُسْتَعْمَلُ في اليقين قال:
923 ـ حَسِبْتُ التقى والجودَ خيرَ تجارةٍ   رَباحاً إذا ما المرءُ أصبحَ ثاقِلا
ومصدرُها: الحُسْبان. وتكون غيرَ متعديةٍ إذا كان معناها الشقرة، تقول: حَسِبَ زيدٌ، أي اشْقَرَّ، فهو أَحْسَبُ أي: أَشْقَرُ.

قوله: { وَلَمَّا يَأْتِكُم } الواوُ للحالِ، والجملةُ بعدَها في محلِّ نصبٍ عليها، أي: غيرَ آتيكم مثلُهم. و " لَمَّا " حرفُ جزمٍ معناهُ النفي كـ " لم " ، وهو أبلغُ من النفي بـ " لم " ، لأنها لا تنفي إلا الزمانَ المتصلَ بزمانِ الحالِ. والفرقُ بينها وبين " لم " من وجوهٍ، أحدُها: أنه قد يُحْذَفُ الفعلُ بعدها في فصيحِ الكلام إذا دَلَّ عليه دليلٌ كقولِهِ:
924 ـ فَجِئْتُ قبورَهم بَدْءاً وَلَمَّا   فنادَيْتُ القبورَ فلم تُجِبْنَهْ
أي: ولمَّا أكن بدءاً أي: مبتدئاً، بخلافِ " لم " فإنه لا يجوزُ ذلك فيها إلا ضرورةً. ومنها: أنَّها لنفيِ الماضي المتصلِ بزمانِ الحال و " لم " لنفِيهِ مطلقاً أو منقطعاً على ما مَرَّ. ومنها: أنَّ " لَمَّا " لاَ تَدْخُل على فعلِ شرطٍ ولا جزاءٍ بخلافِ " لم ". واختُلِفَ في " لمَّا " فقيل: بسيطةٌ، وقيل: مركبةٌ مِنْ لم و " ما " زيدَتْ عليها.

وفي قولِه { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ } حَذْفُ مضافٍ وحَذْفُ موصوفٍ تقديرُهُ: ولَمَّا يأتِكُمْ مَثَلُ محنةِ المؤمنينِ الذين خَلَوْا.

و " مِنْ قبلِكم " متعلِّقٌ بـ " خَلَوا " وهو كالتأكيدِ، فإنَّ الصلةَ مفهومةٌ من قولِهِ: " خَلَوا ".

السابقالتالي
2 3