الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

الإعداد: التهيئة. أي: وضع الشيء لما يكون في المستقبل على ما يقتضيه أو يناسبه. و " الفضل " و " الإفضال " و " التفضّل " واحد، وهو: النفع. وهو إما المعنى الحدثي المصدري، أو الأمر الحاصل به، والثاني هو المراد ها هنا.

ومعنى الآية: انه تعالى بعدما بيّن ان الحياة أمر لا حقيقة لها سوى كونها خيالاً موهوماً - بالوجه الذي مرّ بيانه -، ومثّلها بمثال ينبّه العاقل على دثورها وزوالها، وأشار إلى أن الحياة الآخرة أمر محقق ثابت في نفس الأمر، لكنها إما عذاب شديد، وإما غفران ورضوان، أحدهما للسعداء والآخر للأشقياء، ثم كرر الإشارة إلى أنها لمن لم يعمل لآخرته في متاع الغرور، فرغّب سبحانه في المسابقة إلى طلب أحد الأمرين الأخرويين - المشار إليهما في الآية السابقة -، وهو الذي يترتب على استعمال الحياة الدنيا في طلب التوصل إلى لقاء الله واليوم الآخر قائلاً: سابقوا - أي سارعوا مسارعة المسابقين لأقرانهم ونظرائهم في المضمار، واردعوا العوارض القاطعة عن السلوك إلى البغية بالأعمال الصالحة العلمية والعملية، مقبلين إلى ما يوجب الفوز بمغفرة من ربكم.

قال الكلبي: إلى التوبة. وقيل: إلى الصف الأول للصلاة، وقيل: إلى النبي. وفي معناه: إلى كل هاد ودليل من الأئمة وبعدهم من المشايخ والمعلمين، والى - جنّة عرضها كعرض السماء والأرض -، أي: وسابقوا إلى استحقاق ثواب جنّة هذه سعتها وعظمتها. وفي ارتكاب حذف المضاف، أو ما في حكمه في الموضعين، نظر كشفي لا يسع المقام.

قال السدي: كعرض سبع سموات وسبع أرضين.

وفي ذكر العرض دون الطول وجوه:

أحدها: إن كل ما له امتدادان مختلفان فإن عرضه يكون أقل من طوله، فإذا وصف عرضه بالبسطة، عرف أن طوله أبسط وأَمَدّ.

وثانيها: ان الطول قد يكون بلا عرض، بخلاف العكس.

وثالثها: الإشعار بأن طولها لا يمكن أن يقاس إلى شيء من هذا العالم.

ورابعها: ان المراد منه مطلق البسطة، كقوله تعالى:فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } [فصّلت:51]. وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غزوة أحد: " يا عثمان ذهبتُ عريضاً ".

قال الحسن: إن الله يفني الجنّة ويعيدها على ما وصفه، فلذلك صح وصفها بأن عرضها كعرض السماء والأرض.

وقال بعضهم: إن الله قال: { عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } ، والجنة المخلوقة هي فوق السماء السابعة فلا تنافي.

وقوله: { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } أي: ادُّخِرَت للمؤمنين بالله ورسله، وفيه ما لا يخفى من التمحّل، وذلك - أي الفوز بالمغفرة والجنة - من فضل الله - لكونه موجوداً كاملاً تاماً فوق التمام، فيفضل منه الوجود، وكمال الوجود على غيره ممن يشاء - والله ذو الفضل العظيم - لأن العالم وما فيه من فضل وجوده وفيضه، فلا استبعاد في أن يجزي الدائم الباقي على العمل القليل الفاني، ولو اقتصر على قدر ما يستحق بالأعمال كان عدلاً، لكنه تفضّل بالزيادة.

السابقالتالي
2 3 4