قوله: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }. قال بعضهم: ذلك حيث كان يباشر القتال بنفسه، فباشروا معه القتال [فمن باشر معه القتال] أساه بأسوة حسنة، ومن لم يفعل فلم يواسه. وابن عباس يقول: { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ، أي: سنة صالحة أو نحوه. مثل هذا إنما يذكر عن زلات تكون إما من المنافقين أو من المؤمنين، فيقول: لكم في التأسي برسول الله الاقتداء والقدوة به، فهو يخرج على وجوه: أحدها: أي: لقد كان لكم في رسول الله قبل أن يبعث رسولا، وقبل أن يوحى إليه فيما عرفتموه من حسن خلقه وكرمه وشرفه وأمانته - أسوة حسنة؛ فكيف تركتم اتباعه إذا بعث رسولا؟! والثاني: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ } ، أي: صار لكم { فِي رَسُولِ ٱللَّهِ } إذا بعث رسولا { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }: فيما أنزل إليه وأوحي إليه، وفيما شاهدتموه من حسن خلقه وكرمه؛ فالواجب عليكم أن تتأسوا به. والثالث: لقد كان لكم بالمؤمنين أسوة استوائهم لو اتبعتم ما شرع لكم رسول الله وسن. أو الأسوة: هي الاستواء؛ كقول الناس: " فلان أسوة غرمائه " ، أي: يكون المال بينهم على الاستواء، هذا - والله أعلم - يشبه أن يكون تأويل الآية. وقوله: { لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ }. قال بعضهم: يكون في رسول الله أسوة لمن خاف الله وآمن باليوم الآخر وبجزاء الأعمال، فأما المنافق والذي لا يؤمن بالبعث، فلا يكون فيه أسوة له. وجائز أن يكون قوله: { لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ } ، أي: لقد كان لكم أسوة حسنة، ولمن كان يرجو الله واليوم الآخر. أو أن يكون لكم في رسول الله أسوة حسنة، وفيمن كان يرجو الله واليوم الآخر، والله أعلم. وقوله: { وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً }. ذكر الله يحتمل في نعمته وإحسانه، يذكر بالشكر له وحسن الثناء، أو يذكر سلطانه وملكه أو جلاله وعظمته وكبرياءه، والله أعلم. وقوله: { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ }. حيث أخبرهم أنكم ستلقون كذا في قوله:{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ } [البقرة: 214]: قالوا لما عاينوا ما وعد لهم وأخبرهم: { هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } فيما أخبرنا من الوحي قبل أن يكون وقبل أن نلقاه. { وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً }. أي: ما زادهم إلا إيماناً ما رأوا وعاينوا، فيما وعد وأخبر، إلا إيماناً وتصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في وعده وخبره. وقال قائلون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وعد لهم وأخبر: أن يوم الخندق تكون من الأحزاب كذا والجنود كذا، وإنكم ستلقون يومئذ كذا، فلما رأوا ذلك وعاينوه قالوا عند ذلك: { هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً } وتصديقاً لرسول الله؛ لأن ذلك آية وحجة لرسالته؛ فهو يزيدهم تصديقاً له.