الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ }

وهذا خبر من الله عزّ ذكره عن قول موسى صلى الله عليه وسلم لقومه من بنـي إسرائيـل، وأمره إياهم عن أمر الله إياه، يأمرهم بدخول الأرض الـمقدسة. ثم اختلف أهل التأويـل فـي الأرض التـي عناها بـالأرض الـمقدسة، فقال بعضهم: عنى بذلك: الطور وما حوله. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الأرض الـمقدسة: الطور وما حوله. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنـي الـحارث بن مـحمد، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس: { ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدَّسَةَ } قال: الطُّور وما حوله. وقال آخرون: هو الشأم. ذكر من قال ذلك: حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { الأرْضُ الـمقدّسة } قال: هي الشأم. وقال آخرون: هي أرض أريحاء. ذكر من قال ذلك: حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدَّسَة التـي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } قال: أريحاء. حدثنـي يوسف بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: هي أريحاء. حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم، قال: ثنا إبراهيـم بن بشار، قال: ثنا سفـيان، عن أبـي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: هي أريحاء. وقـيـل: إن الأرض الـمقدسة: دمشق وفلسطين وبعض الأردنّ. وعنى بقوله { الـمُقَدَّسَة }: الـمطهرة الـمبـاركة. كما: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { الأرْضَ الـمُقَدَّسَة } قال: الـمبـاركة. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بـمثله. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، أن يقال: هي الأرض الـمقدسة، كما قال نبـيّ الله موسى صلى الله عليه وسلم. لأن القول فـي ذلك بأنها أرض دون أرض، لا تدرك حقـيقة صحته إلاَّ بـالـخبر، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به، غير أنها لن تـخرج من أن تكون من الأرض التـي بـين الفرات وعريش مصر لإجماع جميع أهل التأويـل والسير والعلـماء بـالأخبـار علـى ذلك. ويعنـي بقوله: { التـي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ }: التـي أثبت فـي اللوح الـمـحفوظ أنها لكم مساكن، ومنازل دون الـجبـابرة التـي فـيها. فإن قال قائل: فكيف قال: { التـي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } ، وقد علـمت أنهم لـم يدخـلوها بقوله: { فإنَّها مُـحَرَّمَةٌ عَلَـيْهِمْ }؟ فكيف يكون مثبتاً فـي اللوح الـمـحفوظ أنها مساكن لهم، ومـحرّماً علـيهم سكناها؟ قـيـل: إنها كتبت لبنـي إسرائيـل داراً ومساكن، وقد سكنوها ونزلوها، وصارت لهم كما قال الله جلّ وعزّ.

السابقالتالي
2