الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } ان الله سبحانه وتعالى اخبرهم فى الاوئل بالمجاهدات فلما صاروا اهل الذوق والمشاهدات لم يأت منهم المجاهدات لان اهل الانس والبسط غائبون بانوار المشاهدات عن المجاهدات فتلطف عليهم الحق بان رفع عنهم اثقال العبودية وكاشف لهم انوار الربوبية ثم امرهم بان يترنموا بايات من كتابه ما يوافق حالهم من خير وصول الوصال وصفاء الاحوال والبسط والانبساط والروح والراحات بقوله { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } اى ما يهيج قلوبكم بنعت المحبة الى مشاهدة الرحمٰن قال الواسطى فى قوله علم ان لن تحصوه اى لن تطيقوا القيام بامره لن تضبطوا اعمالكم بالصحة والبراءة من العيوب فتاب عليكم فعاد عليكم بفضله وقبل منكم اعمالكم مع ان من لقيه بنعمه كان منقطعا عن المنعم بالنعم ويحيا بالصفات عن الذات وقال جعفر فى قوله ما تيسر من القرأن قال ما تيسر لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر قوله تعالى { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ } هذا العموم والخصوص خبر انفاسهم التى صعدت منهم بنعت المحبة والشوق الى الله فهم يجدونها بكشوف انوار الذات والصفات ولكل نفس من انفاسهم لهم هناك قرب ووصال وحسن وجمال قال الله { هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } اى نفس المحبة والشوق خير من جميع الاعمال الصالحة واجرها كشف اللقاء ثم امر الجميع بالاستغفار عن رؤية الاعواض والاعمال عن رؤية جماله وجلاله بقوله { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ } اى من السكون الى الاحوال فانه غفور لخطرات العارفين رحيم بهم بان يوصلهم اليه بلا كلفة المجاهدات ولا عسر المعاملات قال الله { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وقال بعضهم فى هذه الأية ما تنفقوه فى مرضاة الله خير لكم من الامساك والشح وقال بعضهم فى قوله واستغفروا الله على الوجوه كلها فما كان ذلك خالصاً لوجه الله لا رياء ولا هواء ولا سمعة فيه فهو عزيز لا يصل اليه الابرار المقربون.