الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

الإشارة بـ { هذه } يحتمل أن تكون إلى ما ذكر من الأنكال والجحيم والأخذ الوبيل ونحوه. ويحتمل أن تكون إلى السورة بأجمعها ويحتمل أن تكون إلى القرآن، أي أن هذه الأقوال المنصوصة، فيه، { تذكرة } ، والتذكرة مصدر كالذكر. وقوله تعالى: { فمن شاء } الآية، ليس معناه إباحة الأمر وضده، بل يتضمن معنى الوعد والوعيد. والسبيل هنا: سبيل الخير والطاعة. وقوله تعالى: { إن ربك يعلم } الآية نزلت تخفيفاً لما كان استمر استعماله من قيام الليل إما على الوجوب أو على الندب حسب الخلاف الذي ذكرناه، ومعنى الآية: أن الله تعالى يعلم أنك تقوم أنت وغيرك من أمتك قياماً مختلفاً فيه، مرة يكثر ومرة يقل، ومرة أدنى من الثلثين، ومرة أدنى من الثلث، وذلك لعدم تحصيل البشر لمقادير الزمن مع عدم النوم، وتقدير الزمان حقيقة إنما هو لله تعالى، وأما البشر فلا يحصي ذلك فتاب الله عليهم، أي رجع بهم من الثقل إلى الجنة وأمرهم بقراءة { ما تيسر } ، ونحو هذا يعطي عبارة الفراء ومنذر فإنهما قالا { تحصوه } تحفظوه، وهذا التأويل هو على قراءة من قرأ " ونصفِه وثلثِ " بالخفض عطفاً على الثلثين، وهي قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر. وأما من قرأ " ونصفَه وثلثَه " بالنصب عطفاً على { أدنى } وهي قراءة باقي السبعة، فالمعنى عنده آخر، وذلك أن الله تعالى قرر أنهم يقدرون الزمان على نحو ما أمر به في قولهنصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه } [المزمل: 3-4]، فلم يبق إلا أن يكون قوله { لن تحصوه } لن تستطيعوا قيامه لكثرته وشدته فخفف الله عنكم فضلاً منه لا لقلة جهلهم بالتقدير وإحصاء الوقت، ونحو هذا تعطي عبارة الحسن وابن جبير { تحصوه } تطيعوه، وقرأ جمهور القراء والناس " وثلُثه " بضم اللام، وقرأ ابن كثير في رواية شبل عنه: " وثلْثه " بسكون اللام. وقوله تعالى: { فاقرأوا ما تيسر من القرآن } إباحة، هذا قول الجمهور، وقال ابن جبير وجماعة هو فرض لا بد منه ولو خمسين آية، وقال الحسن وابن سيرين قيام الليل فرض، ولو قدر حلب شاة، إلا أن الحسن قال: من قرأ مائة آية لم يحاجه القرآن، واستحسن هذا جماعة من العلماء، قال بعضهم: والركعتان بعد العتمة مع الوتر مدخلتان في حكم امتثال هذا الأمر، ومن زاد زاده الله ثواباً. و { أن } في قوله تعالى: { علم أن } مخففة من الثقيلة. والتقدير أنه يكون، فجاءت السين عوضاً من المحذوف، وكذلك جاءت لا في قول أبي محجن: [الطويل]

ولا تدفنني بالفلاة فإنني   أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
والضرب في الأرض: هو السفر للتجارة، وضرب الأرض هو المشي للتبرز والغائط.

السابقالتالي
2