الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ }

{ إِن يَثْقَفُوكُمْ } أي إن يظفروا بكم، وأصل الثقف الحذق في إدراك الشيء وفعله، ومنه رجل ثقف لقف، وتجوز به عن الظفر والإدراك مطلقاً { يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء } أي عداوة يترتب عليها ضرر بالفعل بدليل قوله تعالى: { وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوء } أي بما يسوءكم من القتل والأسر والشتم فكأنه عطف تفسيري، فوقوع { يَكُونُواْ } الخ جواب الشرط بالاعتبار الذي أشرنا إليه وإلا فكونهم أعداء للمخاطبين أمر متحقق قبل الشرط بدليل ما في صدر السورة، ومثله قول بعضهم: أي يظهروا ما في قلوبهم من العدواة ويرتبوا عليها أحكامها، وقيل: المراد بذلك لازم العداوة وثمرتها وهو ظهور عدم نفع التودد فكأنه قيل: إن يثقفوكم يظهر لكم عدم نفع إلقاء المودة إليهم والتودد لهم.

وقوله تعالى: { وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } عطف على الجواب وهو مستقبل معنى كما هو شأن الجواب، ويؤول كما أول سابقه بأن يقال ـ على ما في «الكشف» ـ المراد ودادة يترتب عليها القدرة على الرد إلى الكفر، أو يقال ـ على ما قال البعض ـ المراد إظهار الودادة وإجراء ما تقتضيه. والتعبير بالماضي وإن كان المعنى على الاستقبال للإشعار بأن ودادتهم كفرهم قبل كل شيء وأنها حاصلة وإن لم يثقفوهم. وتحقيق ذلك أن الودادة سابقة بالنوع متأخرة باعتبار بعض الأفراد، فعبر بالماضي نظراً للأول وجعلت جواباً متأخراً نظراً للثاني. وآثر الخطيب الدمشقي العطف على مجموع الجملة الشرطية كقوله تعالى:ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } [الحشر: 12] في السورة قبلإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [يونس: 49] عند جمع قال: لأن ودادتهم أن يرتدوا كفاراً حاصلة وإن لم يظفروا بهم فلا يكون في التقييد بالشرط فائدة، وإلى ذلك ذهب أبو حيان، وجوابه يعلم مما ذكرنا، وقريب منه ما قيل: إن ودادة كفرهم بعد الظفر لما كانت غير ظاهرة لأنهم حينئذ سبي وخدم لا يعتدّ بهم فيجوز أن لا يتمنى كفرهم فيحتاج إلى الإخبار عنه بخلاف الودادة قبل الظفر فيكون للتقييد فائدة لأنها ودادة أخرى متأخرة.

وقال بعض الأفاضل: إن المعطوف على الجزاء في كلام العرب على أنحاء: الأول: أن يكون كل منهما جزاء وعلة نحو إن تأتني آتك وأعطك. الثاني: أن يكون الجزاء أحدهما وإنما ذكر الآخر لشدة ارتباطه به لكونه مسبباً له مثلاً نحو إذا جاء الأمير استأذنت وخرجت لاستقباله ونحو حبست غريمي لأستوفي حقي وأخليه. الثالث: أن يكون المقصود جمع أمرين وحينئذ لا ينافي تقدم أحدهما نحو كخرجت مع الحجاج لأرافقهم في الذهاب ولا أرافقهم في الإياب، ومنه قوله تعالى:إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }

السابقالتالي
2