في قوله تعالى { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } وجهان من التفسير وكلاهما يشهد له القرآن الأول - أن المعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. أي لتتعب التعب الشديد بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم. وتحسرهم على أن يؤمنوا. وهذا الوجه جاءت بنحوه آيات كثيرة كقوله تعالى{ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } فاطر 8 الآية وقوله تعالى{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } الكهف6 وقوله{ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } الشعراء 3. والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً وقد قدمنا في مواضع من هذا الكتاب المبارك. الوجه الثاني - أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالليل حتى تورَّمتْ قدماه فأنزل الله { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } أي تنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة. وما بعثناك إلا بالحنيفية السمحة. وهذا الوجه تدل له ظواهر آيات من كتاب الله كقوله{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } الحج 78 وقوله{ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } البقرة 185. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ويفهم من قوله { لتشقى } أنه أُنزل عليه ليسعد. كما يدل له الحديث الصحيح " من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين " وقد روى الطبراني عن ثعلبة بن الحكم رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله يقول للعلماء يوم القيامة إني لم أجعل علمي وحكتمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي " وقال ابن كثير إن إسناده جيد ويشبه معنى الآية على هذا القول الأخير قوله تعالى{ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } المزمل 20 الآية. وأصل الشقاء في لغة العرب العناء والتعب ومنه قول أبي الطيب
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم