الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله تعالى: { وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ }: ولا ذوات القلائد، ويجوز أن يكونَ المرادُ القلائدَ حقيقة، ويكون فيه مبالغةٌ في النهي عن التعرض للهَدي المقلَّد، فإنه إذا نَهَى عن قِلادته أن يُتَعَرَّض لها فبطريق الأَوْلى أن يَنْهى عن التعرض للهَدْي المُقَلَّد بها، وهذا كما قال تعالى: { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } لأنه إذا نَهَى عن إظهار الزينة فما بالك بمواضعها من الأعضاء. وقوله: ولا آمِّيْنَ " أي: ولا تُحِلُّوا قوماً آمِّين، ويجوز ان يكون على حذف مضاف أي: لا تُحِلُّوا قتالَ قوم أو أذى قوم آمِّين. وقرأ عبد الله ومَنْ تبعه: " ولا آمِّي البيتِ " بحذف النون وإضافةِ اسم الفاعل إلى معموله. و " البيت " نصبٌ على المفعول به بـ " آمّين " أي قاصدين البيتَ، وليس ظرفاً.

وقوله: { يَبْتَغُونَ } حالٌ من الضمير في " آمِّين " أي: حالَ كون الآمِّين مبتغين فَضْلاً، ولا يجوزُ أن تكونَ هذه الجملة صفة لـ " آمّين " لأن اسم الفاعل متى وُصف بَطَل عمله على الصحيح، وخالف الكوفيون في ذلك، وأعرب مكي هذه الجملةَ صفةً لـ " آمِّين " وليس بجيد لِما تقدم، وكأنه تبع في ذلك الكوفيين. وهنا سؤال: وهو أنه لِم لا قيل بجوازِ إعماله قبل وصفِه كما في هذه الآية قياساً على المصدر فإنه يَعْمل قبلَ أن يُوصف نحو: يعجبني ضربٌ زيداً شديدٌ؟ والجمهور على " يبتغون " بتاء الخطاب، على أنه خطاب للمؤمنين وهي قَلِقة لقوله: { مِّن رَّبِّهِمْ } ولو أريد خطاب المؤمنين لكان تمامُ المناسبة: " تبتغون فضلاً من ربكم " و " من ربهم " يجوز أن يتعلق بنفس الفعل، وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لـ " فضلاً " أي: فضلاً كائناً من ربهم. وقد تقدم الخلاف في ضم راء " رضوان " في آل عمران. وإذا عَلَّقنا " من ربهم " بمحذوفٍ على أنه صفة لـ " فضلاً " فيكون قد حَذَفَ صفة " رضوان " لدلالةِ ما قبله عليه أي: ورضواناً من ربهم، وإذا عَلَّقناه بنفس الفعل لم يَحْتَجْ إلى ذلك.

قوله: { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } قُرئ: " أَحْللتم " وهي لغة في " حَلَّ " ، ويقال: " أحَلَّ من إحْرامِه " كما يقال: حَلَّ وقرأ الحسن بن عمران وأبو واقد ونبيح والجراح بكسر الفاء العاطفة، وهي قراءةٌ ضعيفة مشكلة، وخَر‍َّجها الزمخشري على أن الكسر في الفاء بدلٌ من كسر الهمزة في الابتداء. وقال ابن عطية: " هي قراءةٌ مشكلة، ومن توجيهها أن يكونَ راعى كسر ألف الوصل إذا ابتدأ، فكسرَ الفاءَ مراعاةً وتذكُّراً لكسر ألف الوصل ". وقال الشيخ: " وليس عندي هو كسراً محضاً بل هو إمالة محضةٌ لتوهُّم وجود كسرة همزة الوصل، كما أمالوا فاء " فإذا " لوجود كسر الهمزة ".

السابقالتالي
2 3 4 5