الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } ، أي: معالم دينه، وهي المناسك. وإحلالها أن يتهاون بحرمتها، وأن يحال بينهما وبين المتنسكين بها. وقد روى ابن جرير عن عكرمة والسّدّيّ قالا: " نزلت في الحُطَم، واسمه شريح بن هند البكريّ، أتى المدينة وَحْدَهُ، وخَلَّف خيله خارج المدينة، ودخل على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: إلامَ تدعو الناس؟ قال صلى الله عليه وسلم: " إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ". فقال: حسن. إلا أن لي أمراء لا أقطع أمرا دونهم، ولعلي أُسْلِمُ وآتي بهم، فخرج من عنده. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: " يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان " فلما خرج شريح قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لقد دخل بوجه كافر، وخرج بقفا غادر، وما الرجل بمسلم ". فمر بسرح من سراح المدينة فاستاقه وانطلق به وهو يرتجز ويقول:

قد لَفَّهَا الليلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ * لَيْسَ بِرَاعِيِ إِبِلٍ وَلا غَنَمْ

وَلا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْرِ الْوَضَمْ * بَاتُوا نِيَاماً وابنُ هِنْدٍ لَمْ يَنَمْ

بَاتَ يُقَاسِهَا غُلامٌ كَالزَّلَمْ * خَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ مَمْسُوحُ القَدَمْ

فتبعوه فلم يدركوه. فلما كان العام القابل، خرج شريح حاجا مع حُجاج بكر بن وائل، من اليمامة، معه تجارة عظيمة، وقد قلّد الهدي. فقال المسلمون: يا رسول الله، هذا الحطم قد خرج حاجاً فَخَلِّ بيننا وبينه. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إنه قد قلّد الهدي " فقالوا: يا رسول الله، هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية. فأبى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } " قال ابن عباس: هي المناسك، لأن المشركون يحجون ويهدون، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فنهاهم الله عن ذلك. وعن ابن عباس أيضاً: { لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ }: هي أن تصيد وأنت محرم. ويقال: شعائر الله، شرائع دينه التي حدها لعباده، وإحلالها الإخلال بها. وظاهر أن عموم اللفظ يشمل الجميع. { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } المراد به الجنس، فيدخل في ذلك جميع الأشهر الحرم، وهي أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، أي: لا تحلوها بالقتال فيها. وقد كانت العرب تحرم القتال فيها في الجاهلية، فلما جاء الإسلام لم يَنْقُضْ هذا الحكم، بل أكده. كذا في (لباب التأويل).

قال ابن كثير: يعني بقوله: { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } ، تحريمه والاعتراف بتعظيمه، وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه، من الابتداء بالقتال. كما قال تعالى:يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8