الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ } أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية: بلغنا أنهم قالوا: يا رسول الله! لِمَ خلقت الأهلّة؟ فنزلت. وروى أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس قال: نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غَنْم. قالا: يا رسول الله! ما بال الهلال يبدو - أو يطلع - دقيقاً مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدقّ حتى يعود كما كان، لا يكون على حالٍ واحد؟ فنزلت.

ومعنى كونها { مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } معالم لهم في حَلِّ دَيْنِهِم، ولصومهم، ولفطرهم، وأوقات حجهم، وأجائرهم، وأوقات الحيض وعِدَدِ نسائهم، والشروط التي إلى أجل. فكلّ هذا مما لا يسهل ضبط أوقاتها إلا عند وقوع الاختلاف في شكل القمر زيادةً ونقصاً. ولهذا خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة على حالةٍ واحدة.

قال بعض المفسّرين: ثمرة الآية أنّ الأحكام الشرعية - كالزكاة والعِدَدِ للنساء والحمل - تتعلق بشهور الأهلّة لا بشهور الفرس، أمّا ما تعلّق بالعقود والأفعال المتعلقة بفعل بني آدم فيتبع فيه العرف من حسابهم، بالأهلة أو بشهور الفرس، فهذا حكم، وذاك حكم آخر.

وقد ذكر تعالى هذا المعنى في آيات، كقوله سبحانه:وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } [يونس: 5]. وقوله:فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } [الإسراء: 12]. أي: من غير افتقار إلى مراجعة المنجم وحساب الحاسب، رحمةً منه تعالى وفضلاً. وإفراد { ٱلْحَجِّ } بالذكر هنا تنويهاً بشأنه.

وقال القفال: نكتة إفراده بيان أنّ الحج مقصور على الأشهر التي عينها الله تعالى لفرضه، وأنَّه لا يجوز نقل الحجّ من تلك الأشهر إلى أشهر، كما كانت العرب تفعل ذلك في النسيء. والله أعلم.

والجمهور على فتح حاء { ٱلْحَجِّ }؛ والحسن على كسرها في جميع القرآن. قال سيبويه: هما مصدران كالردّ والذكر؛ وقيل: بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم. و { ٱلأَهِلَّةِ } جمع هلال. وجمعه باختلاف زمانه. وهو: غرّة القمر إلى ثلاث ليال أو سبع، ثمّ يسمّى قمراً، وليلة البدر لأربع عشرة.

قال أبو العباس: سمي الهلال هلالاً: لأنّ الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه، وسمي بدراً لمبادرته الشمس بالطلوع كأنّه يجعلها المغيب. ويقال: سمي بدراً لتمامه وامتلائه. وكلّ شيء تم فهو بدر.

تنبيه

الجواب على الرواية في سبب نزول الآية من الأسلوب الحكيم. وهو تلقّي السائل بغير ما يتطلب - بتنزيل سؤاله منزلة غيره، تنبيهاً للسائل على أن ذلك الغير هو الأوْلى بحاله أو المهم له. فلمّا سألوا عن السبب الفاعليّ للتشكلات النورية في الهلال، أجيبوا بما ترى من السبب الغائيّ. تنبيهاً على أنّ السؤال عن الغاية والفائدة هو أليق بحالهم، لأنّ درك الأسباب الفاعلية لتلك التشكلات مبنيّ على أمور من علم الهيئة لا عناية للشرع بها.

السابقالتالي
2 3