الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

روى بعض المفسرين فى سبب نزول هذه الآية الكريمة أحاديث تفيد أن المسلمين كانوا عند ما فرض صيام شهر رمضان. إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويقربون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا حرم عليهم بعد ذلك الطعام والشراب وقربان النساء حتى يفطروا من الغد. ومن الأحاديث التى وردت فى هذا المعنى ما أخرجه الإِمام أحمد وابن جرير وابن حاتم عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه. قال كان الناس فى رمضان إذا صام الرجل فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - من عند النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده، فأراد امرأته فقالت إنى قد نمت، فقال ما نمت ثم واقعها، وصنع كعب مثل ذلك. فغدا عمر بن الخطاب إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت. ومنها ما رواه البخارى عن البراء قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإِفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسى. وإن قيس بن صرمة الأنصارى كان صائما وفى رواية كان يعمل فى النخيل بالنهار وكان صائما. فلما حضر الإِفطار أتى امرأته فقال لها أعندك طعام؟ قالت لا، ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه فجاءته امرأته فما رأته قالت خيبة لك. فلما انتصف النهار غشى عليه، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } ففرحوا فرحاً شديداً، ونزلت { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ }. وجمهور المفسرين - كما يقول الإِمام الرازى - على أن هذه الآية من قبيل النسخ، لأنها قد نسخت ماكان حاصلا فى أول فرضية الصيام من أن الصائم إذا نام بعد فطره لا يحل له الأكل أو الشرب أو الجماع إلى أن يفطر من الغد. ويرى بعض العلماء أن الآية ليست من قبيل النسخ وإنما هى إرشاد إلى ما شرعه الله - تعالى - لعباده خلال شهر الصوم من إباحة غشيان أزواجهن ليلا. ومن جواز الأكل والشرب، حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وكأن الصحابة كانوا يتحرجون عن ذلك ظناً منهم أنه من تتمة الصوم، ورأوا أن لا صبر لأنفسهم عن الأكل والشرب والجماع ليلا، فبين الله لهم أن ذلك حلال لا حرج فيه. وأصحاب هذا الرأى يستشهدون لذلك بما رواه البخارى عن البراء قال لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله - تعالى - { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7