الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ }

{ ولقد ذرأنا } اى وبالله قد خلقنا. قال فى القاموس ذرأ كجعل خلق والشيء كثر ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين { لجهنم } اى لدخولها والتعذيب بها وهى سجن الله فى الآخرة سميت جهنم لبعد قعرها يقال بئر جهنام اذا كانت بعيدة القعر وهى تحتوى على حرور وزمهرير ففيها الحر والبرد على اقصى درجاتهما وبين اعلاها وقعرها خمس وسبعون مائة من السنين { كثيرا } كائنا { من الجن والانس } يعنى المصرين على الكفر فى عالم الله تعالى فاللام فى لجهنم للعاقبة لان من علم الله ان يصر على الكفر باختياره فهم يصير من اهل النار. والجن اجسام هوائية قادرة على التشكل باشكال مختلفة لها عقول وافهام وقدرة على الاعمال الشاقة وهى خلاف الانس سميت بذلك لاستجنانهم واستتارهم عن العيون يقال جنه الليل ستره والانس كالانسان من آنس الشيء ابصره وقدم الجن على الانس لانهم اكثر عددا واقدم خلقا ولان لفظ الانس أخف بمكان النون الخفيفة والسين المهموسة فكان الاثقل اولى باول الكلام من الاخف لنشاط المتكلم وراحته والاجماع على ان الجن متعبدون بهذه الشريعة على الخصوص وان نبينا صلى الله عليه وسلم مبعوث الى الثقلين ولا شك انهم مكلفون فى الامم الماضية كما هم مكلفون فى هذه الامة لقوله تعالىأولئك الذين حق عليهم القول فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين } الأحقاف 18. وجمع الفريقين انما هو باعتبار استعدادهم الكامل الفطرى للعبادة والسعادة والالم يصح التكليف عليهم. فان قلت ما الحكمة فى ان الله تعالى جعل الكفار اكثر من المؤمنين. قلت ليريهم انه مستغن عن طاعتهم وليظهر عز المؤمنين فيما بين ذلك لان الاشياء تعرف باضدادها والشيء اذا قل وجوده عز. فان قلت ان رحمته غلبت غضبه فيقتضى الامر ان يكون اهل الرحمة اكثر من اهل الغضب واهل الغضب تسع وتسعون وتسعمائة من كل الف وواحد يؤخذ للجنة. قلت هذه الكثرة بالنسبة الى بنى آدم واما بالنسبة الى الملائكة واهل الجنة فكثير لان بنى آدم قيل بالنسبة الى الملائكة ولحور الغلمان فيكون اهل الرحمة اكثر من اهل الغضب وقيل اكثر الكفار بشارة للاخيار بكثرة الفداء لانه ورد فى الخبر الصحيح " ان كل مؤمن يأخذ كافرا بناصيته ويرميه الى النار فداء عن نفسه " وفى الحديث " ان الله لما زرأ لجهنم ما زرأ كان ولد الزنى ممن زرأ لجهنم ". قال فى المقاصد حديث " لا يدخل الجنة ولد زنية ". ان صح فمعناه اذا عمل بمثل عمل ابويه واتفقوا على انه لا يحمل على ظاهره. وقيل فى تأويله ايضا ان المراد به من يواظب الزنى كما يقال للشهود بنوا الصحف وللشجعان بنوا الحرب ولاولاد المسلمين بنوا الاسلام واتفق المشايخ من اهل الوصول ان ولد الزنى لا يكون اهلا للولاية الخاصة { لهم قلوب } فى محل النصب على انه صفة اخرى لكثيرا { لا يفقهون بها } فى محل الرفع على انه صفة لقلوب اى لا يعقلون بها اذ لا يلقونها الى معرفة الحق والنظر فى دلائله والقلب كالمرآة يصدأ من الانكار والغفلة وجلاؤه التصديق والانابة قل السعدى قدس سره

السابقالتالي
2