الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

اعْلَمْ أن كيفيَّة النَّظْم أَنَّهُ تعالى لما أوجب القِصَاص في الآية المتقدِّمة توجَّه أَنْ يُقالَ: كيفَ يليقُ برحمته إيلامُ العَبْد الضَّعيف، فذكرَ عقِيبَهُ حكْمة شَرع القِصاص؛ دفعاً لهذا السؤال.

قوله " لَكُمْ ": يجوز أن يكون الخَبَر، و " فِي القِصَاصِ " متعلِّق بالاستقرار الَّذي تضمَّنه " لَكُمْ " ويجوزُ أن يتعلَّق بمحذُوفٍ على أنَّه حالٌ من حياة، لأَنَّه كان في الأَصل صفةً لها، فلما قُدِّم عليها نصب حالاً، ويجوزُ أن يكون " فِي القِصَاصِ " هو الخَبَر، و " لَكُمْ " متعلِّق بالاستقرار المتضمِّن له، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في قولهوَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } [البقرة: 36] وهناك أشياءُ لا تجيء هُنَا.

فصل في معنى كون القصاص حياةً

في معنى كَوْنِ القِصاصِ حياةً وجوه:

أحدها: أَنَّهُ ليس المرادُ أَنَّ نَفْس القصاص حياةً؛ لأَنَّ القصاصَ إِزالةٌ للحياةِ، وإزالةُ الشيءِ يمتنع أَنَّ تكُون نفْسَ ذلك الشَّيءِ، بل المراد أَنَّ شَرْع القِصَاص يُفْضِي إلى الحياة.

أَمَّا في حقِّ منَ يريدٌ القَتَلَ فإنَّهُ إذا عَلِمَ أَنَّه إذا قَتَلَ قُتِلَ تَرَكَ القَتْل؛ فلا يقتل، فيَبْقَى حَيًّا، وأمَّا في حقِّ المقتول: فإنَّ مَنْ أراد قتلَه، إذا خاف مِنَ القِصَاصِ؛ تَرَكَ قَتلهُ فيبقَى غير مقتول، وأمَّا في حقِّ غيرهما: فَلأَنَّ في شرع القِصَاص بقاءَ من هَمَّ بالقَتْل ومن يهمّ به، وفي بقائهما بَقَاءُ مَنْ يتعصَّبُ لهما؛ لأَنَّ الفِتْنَة تعظُمُ بسبَب القَتْل فتؤدِّي إلى المُحاربة الَّتي تنتهي إلى قتل عالَمٍ من النَّاس، وفي شَرْعِ القِصَاص زوالٌ لِكُلِّ ذلك، فيصير حياةً للكُلِّ.

وثانيها: أَنَّ نفسَ القصاص سببُ الحياة؛ لأنَّ سَافِك الدَّم، إِذَا أُقِيدَ منْه، ارتدع مَنْ كان يهُمَّ بالقتل، فلم يقتل، فكان القصاص نفسُه سبباً للحياة مِنْ هذا الوجه.

وثالثها: معنى الحياة سلامتُهُ مِنْ قِصَاصِ الآخِرة، فإِنَّهُ إذا اقتصَّ منه في الدُّنْيا، حيي في الآخرة، وإذا لم يقتصّ منه في الدُّنيا اقْتُصَّ منه في الآخرة وهذا الحُكْم غير مختصٍّ بالقِصَاصِ في النَّفْسِ، بل يدخل فيه القِصاص في الجِراح والشِّجَاج.

ورابعها: قال السُّدَّيُّ: المرادُ من القِصَاصِ إيجابُ التَّوبَة.

وقرأ أبو الجوزاء في القَصَصِ والمراد به القُرآن.

قال ابنُ عطيَّة ويحتمل أن يكون مَصْدراً كالقِصاصِ، أي أَنَّهُ إذا قُصَّ أثَرُ القاتلِ قَصَصاً، قُتِل.

ويحتمل أن يكون قوله: { فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ } أي فيما أَقُصُّ عليكُمْ مِنْ حُكْم القَتْل والقِصَاصِ.

فصل في الردِّ على احتجاج المعتزلة بالآية

قالت المعتزلة: دلَّتْ هذه الآيةُ على أنَّ القِصَاصِ سببٌ للحياة؛ لقوله تعالى: { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ } ، فدَلَّ ذلك على أَنَّهُ لو لم يُشْرع القِصَاصُ، لكان ذلك سبباً للموت قبل حلول وَقْتِهِ، وكذلك كلُّ ما نتج من الحيوان، فإنَّ هلاكه قَبْلَ أجلِهِ؛ بدليل أنَّهُ يجب على القاتِلِ الضَّمانُ والدِّية.

السابقالتالي
2 3