{ فلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ } فيها خمسة أقاويل: أحدها: أنها طريق النجاة، قاله ابن زيد. الثاني: أنها جبل في جهنم، قاله ابن عمر. الثالث: أنها نار دون الحشر، قاله قتادة. الرابع: أنها الصراط يضرب على جهنم كحد السيف، قاله الضحاك، قال الكلبي: صعوداً وهبوطاً. الخامس: أن يحاسب نفسه وهواه وعدوّه الشيطان، قاله الحسن. قال الحسن: عقبة والله شديدة. ويحتمل سادساً: اقتحام العقبة خالصة من الغرض. وفي معنى الكلام وجهان: أحدهما: اقتحام العقبة فك رقبة، قاله الزجاج. الثاني: معناه فلم يقتحم العقبة إلا مَنْ فكَّ رقبة أو أطعم، قاله الأخفش. ثم قال: { وما أدْراكَ ما العَقَبَةُ } وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه اقتحام العقبة. ثم بين تعالى ما تقتحم به العقبة. فقال: { فَكُّ رَقَبَةٍ } فيه وجهان: أحدهما: إخلاصها من الأسر. الثاني: عتقها من الرق، وسمي المرقوق رقبة لأنه بالرق كالأسير المربوط من رقبته، وسمي عتقاً فكها لأنه كفك الأسير من الأسر، قال حسان بن ثابت:
كم مِن أسيرٍ فككناه بلا ثَمنٍ
وجَزّ ناصية كُنّأ مَواليها
وروى عقبة بن عامر الجهني أن النبي عليه السلام قال: من أعتق مؤمنة فهي فداؤه من النار. ويحتمل ثالثاً: أنه أرد فك رقبته وخلاص نفسه باجتناب المعاصي وفعل الطاعات، لا يمنع الخبر من هذا التأويل، وهو أشبه الصواب. ثم قال تعالى: { أو إطعامٌ في يومٍ ذي مَسْغَبَةٍ } أي مجاعة، لقحط أو غلاء. { يتيماً ذا مَقْرَبةٍ } ويحتمل أن يريد ذا جوار. { أو مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ } فيه سبعة أوجه: أحدها: أن ذا المتربة هو المطروح على الطريق لا بيت له، قاله ابن عباس، الثاني: هو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره، قاله مجاهد. الثالث: أنه ذو العيال، قاله قتادة. الرابع: أنه المديون، قاله عكرمة. الخامس: أنه ذو زمانة، قاله ابو سنان. السادس: أنه الذي ليس له أحد، قاله ابن جبير. السابع: أن ذا المتربة: البعيد التربة، يعني الغريب البعيد عن وطنه، رواه عكرمة عن ابن عباس. { ثُمَّ كانَ مِنَ الذين آمَنوا وَتَوَاصَوْا بالصَّبْر } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: بالصبر على طاعة الله، قاله الحسن. الثاني: بالصبر على ما افترض الله عليه، قاله هشام بن حسان. الثالث: بالصبر على ما أصابهم، قاله سفيان. ويحتمل رابعاً: بالصبر على الدنيا وعن شهواتها. { وتَواصَوْا بالمَرْحَمَةِ } أي بالتراحم فيما بينهم، فرحموا الناس كلهم ويحتمل ثانياً: وتواصوا بالآخرة لأنها دار الرحمة، فيتواصوا بترك الدنيا وطلب الآخرة. { أولئك أصحابُ المَيْمَنَةِ } يعني الجنة، وفي تسميتهم أصحاب الميمنة أربعة أوجه: أحدها: لأنهم أُخذوا من شق آدم الأيمن، قاله زيد بن أسلم.