الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

والمعنى أخفتم تقديم الصدقات لما فيه من إنفاق المال، فإذ لم تفعلوا ما أمرتم به وتاب الله عليكم ورخص لكم في أن لا تفعلوه، فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات. فإن قيل: ظاهر الآية يدل على تقصير المؤمنين في ذلك التكليف، وبيانه من وجوه أولها: قوله: { أأشفقتم أَن تُقَدّمُواْ } وهو يدل على تقصيرهم وثانيها: قوله: { فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ } وثالثها: قوله: { وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } قلنا: ليس الأمر كما قلتم، وذلك لأن القوم لما كلفوا بأن يقدموا الصدقة ويشغلوا بالمناجاة، فلا بد من تقديم الصدقة، فمن ترك المناجاة يكون مقصراً، وأما لو قيل بأنهم ناجوا من غير تقديم الصدقة، فهذا أيضاً غير جائز، لأن المناجاة لا تمكن إلا إذا مكن الرسول من المناجاة، فإذا لم يمكنهم من ذلك لم يقدروا على المناجاة، فعلمنا أن الآية لا تدل على صدور التقصير منهم، فأما قوله: { أَءشْفَقْتُمْ } فلا يمتنع أن الله تعالى علم ضيق صدر كثير منهم عن إعطاء الصدقة في المستقبل لو دام الوجوب، فقال هذا القول، وأما قوله: { وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } فليس في الآية أنه تاب عليكم من هذا التقصير، بل يحتمل أنكم إذا كنتم تائبين راجعين إلى الله، وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، فقد كفاكم هذا التكليف، أما قوله: { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } يعني محيط بأعمالكم ونياتكم.