{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ } قرأ نافع والكسائي وأبو بكر وهشام: " سَلاسِلاً " بالتنوين. وقرأ الباقون: بغير تنوين. وهو الوجه؛ لأنه مثلُ مساجد ومنابر، لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، ومن صرفه فلمجاورته " أغلالاً " ، كما قالوا: الغدايا والعشايا، وهذا أولى بالجوار. قال الأخفش: سمعنا من العرب من يصرف هذا، ويصرف جميع ما لا ينصرف. قال غيره: أكثر ما يُصرف هذا، وشِبْهُه في الشعر. فأما في الكلام فهو قليل. وقال أبو علي: هذه الجموع أشبهت الآحاد؛ لأنهم قالوا: صواحبات يوسف، فلما جمعوا هذه الجموع [جَمْعَ الآحاد المنصرفة] جعلوها في حكمها، فصرفوها. واختلف القراء [أيضاً] في الوقف، فأثبت بعضهم الألف، وهم الذين قرؤوا بالتنوين، ووافقهم جماعة ممن لم يُنوّن اتباعاً لخط المصحف، وتشبيهاً له بالقوافي التي تُشبع فيها الفتحة، حتى تصير ألفاً؛ كـ " الظنونا " ، و " الرسولا " ، و " السبيلا ". وقد ذكرنا " الأغلال " فيما مضى، و " السعير " في سورة النساء. قوله تعالى: { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ } واحدهم: بَرٌّ وبَارٌّ، وهم الصادقون. وقيل: المطيعون. قال الحسن: هم الذين لا يؤذون الذرّ. { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } سبق تفسيره أيضاً. { كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } قال مجاهد ومقاتل: هو الكافور المعروف، وليس ككافور الدنيا. والمقصود بمزجه به: طيب الرائحة والطعم. قال قتادة: تمزج لهم بالكافور، وتختم لهم بالمسك. وقال ابن كيسان: طيّبت بالكافور [والمسك والزنجبيل]. وقال عطاء وابن السائب وغيرهما: الكافور: اسم عين ماء في الجنة، ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده. قوله تعالى: { عَيْناً } بدل إما من " كافوراً " ، على قول عطاء ومن وافقه. [وإما] من محل " من كأس " بتقدير حذف المضاف، تقديره: يشربون خمراً خمر عين. وقال الأخفش: هي منصوبة على وجه المدح، بمعنى: أعْنِي عَيْناً. وقال الزجاج: الأجود أن يكون المعنى: من عين. { يَشْرَبُ بِهَا } قيل: الباء زائدة. وقيل: المعنى: يشرب منها. وقيل: المعنى: يشرب بها عباد الله الخمر. والمراد بعباد الله: أولياؤه. { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } يُجْرُونها حيث يريدون. قوله تعالى: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } هذا من صفاتهم في الدنيا. المعنى: كانوا يوفون بالنذر. وقال الزمخشري: " يوفون " جواب من عسى، يقول: ما لهم يرزقون ذلك، والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات؛ لأن من وفى بما [أوجبه] هو على نفسه لوجه الله، كان بما أوجب الله عليه أوفى. قال مجاهد وعكرمة: إذا نذروا في طاعة الله وفوا به. وقال قتادة: يوفون بما فرض الله عليهم، من الصلاة والزكاة والحج والعمرة [وغيرها] من الواجبات. قال الواحدي: ومعنى النذر في اللغة: الإيجاب. والمعنى: ما أوجبه الله عليهم من الطاعات.