الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قوله تعالى: { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ }: قد تقدَّم نظيرُه وتحقيقُه مرتين، ونزيد هنا أن يكونَ " أولاء " في موضعِ نصبٍ بفعل محذوف، فتكونُ المسألةُ من الاشتغال نحو: " أنا زيداً ضربته " وقوله: { وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } يُحتمل أن يكونَ استئنافَ إخبارٍ وأَنْ يكونَ جملةً حالية. و " الكتاب " يجوز أَنْ تكونَ الألفُ واللامُ للجنس، والمعنى بالكتبِ كلها، فاكتفى الواحد، ويجوزُ أن تكونَ للعهدِ، والمرادُ به كتابٌ مخصوصٌ.

وقوله: " عليكم ". متعلِّقٌ بـ " عَضُّوا " ، وكذلك: " من الغيظِ ". و " مِنْ " فيه لابتداءِ الغاية، ويجوز أَنْ تكونَ بمعنى اللام فتفيدَ العلة أي: من أجلِ الغَيْظِ. وجَوَّز أبو البقاء في " عليكم " وفي " من الغيظ " أن يكونا حالَيْن، فقال: " ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً أي: حَنِقين عليكم، " من الغيظِ " متعلِّقٌ بـ " عَضُّوا " أيضاً، و " مِنْ " لابتداء الغايةِ أي: من أجلِ الغيظِ، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً أي: " مغتاظين " انتهى. وقولُه: " ومِنْ لابتداء الغاية أي: من أجل الغيظ " كلامٌ متنافر، لأنَّ التي للابتداء لا تُفَسَّر بمعنى " من أجل " فإنه معنى العلة، والعلةُ والابتداء متغايران، وعلى الجملةِ فالحاليةُ فيها لا يَظْهَرُ معناها، وتقديرُه الحالَ ليس تقديراً صناعياً، لأنَّ التقديرُ الصناعِيَّ إنما يكون بالأكوان المطلقةِ.

والعَضُّ: الأَزْمُ بالأسنانِ وهو تحامُلُ الأسنانِ بعضِها على بعضٍ. يقال: عَضِضْتُ بكسر العين في الماضي ـ أعَضُّ ـ بالفتحِ ـ عَضَّاً وعَضيضاً. قال امرؤ القيس:
1406ـ......................     كفَحْلِ الهجانِ يَنْتَحي للعضيضِ
ويُعَبَّرُ به عن الندمِ المفرط، ومنه:وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ } [الفرقان: 27] وإنْ لم يكن ثَمَّ عضٌّ حقيقةً. قال أبو طالب:
1407ـ وقد صالَحُوا قوماً علينا أَشِحَّةً     يَعَضُّون غيظاً خَلْفَنا بالأنامِلِ
جَعَلَ الباءَ زائدةً في المفعول، إذ الأصلُ: يَعَضُّون خلفَنا الأنامل، وله نظائرُ مرت. وقال آخر:
1408ـ قدَ ٱفنى أنامِلَه أزْمُهُ     فَأَمْسَى يَعَضُّ عليَّ الوَظِيفا
وقال الحارث بن ظالم المُرِّي:
1409ـ وأقتلُ أقواماً لِئاماً أذِلَّةً     يَعَضَّون مِنْ غيظٍ رؤوسَ الأباهِمِ
وقال آخر:
1410ـ إذا رَأَوْني أطالَ اللهُ غيظَهُمُ     عَضُّوا من الغيظِ أَطْرَافَ الأباهيم
والعَضُّ كلُّه بالضادِ إلاَّ في قولِهم: " عَظَّ الزمانُ " ِأي اشتدَّ، وعَظَّتِ الحربُ، فإنهما بالظاءِ أختِ الطاء، وأنشد:
1411ـ وعَظَّ زمانٍ يا بنَ مروانَ لم يَدَعْ     من المالِ إلاَّ مُسْحتاً أو مُجَلَّفُ
وقد رأيته بخط جماعة من الفضلاء: " وعَضُّ زمان " بالضاد.

والعَضُّ: ـ بضمِّ الفاء ـ عَلَف من نوىً مرضوضٍ وغيرِه، ومنه: بعير عُضاضِيٌّ أي: سمينٌ كأنه منسوبٌ إليه، وأَعَضَّ القومُ: إذا أكلَتْ إبلُهم ذلك والعِضُّ ـ بكسر الفاء ـ الداهية من الرجال كأنهم تَصَوَّروا عَضَّه وشدته. وزمنٌ عضوضٌ أي: جَدْب، والتَّعْضُوضُ: نوعٌ من التمرِ سُمِّي بذلك لشدة مَضْغِه وصعوبتِه.

السابقالتالي
2