الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }

{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ } الخ، ولا ينافي ذلك العطف كما لا يخفى، واللام صلة القول مثلها في قوله تعالى:وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } [البقرة: 154] وقولك: لا تقل للنبيذ إنه حلال، ومعناها الاختصاص، و { مَا } موصولة والعائد محذوف أي لا تقولوا في شأن الذي تصفه ألسنتكم/ من البهائم بالحل والحرمة في قولكم:مَا فِى بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوٰجِنَا } [الأنعام: 139] من غير ترتب ذلك الوصف على ملاحظة وفكر فضلاً عن استناده إلى وحي أو قياس مبني عليه بل مجرد قول باللسان. { ٱلْكَذِبَ } منتصب على أنه مفعول به ـ لتقولوا ـ وقوله سبحانه: { هَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } بدل منه بدل كل، وقيل: منصوب بإضمار أعني، وقيل: { ٱلْكَذِبَ } منتصب على المصدرية و { هَـٰذَا } مقول القول. وجوز أن يكون بدل اشتمال، وجوز أن يكون { ٱلْكَذِبَ } مقول القول المذكور ويضمر قول آخر بعد الوصف واللام على حالها أي لا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم فتقول هذا حلال وهذا حرام، والجملة مبينة ومفسرة لقوله تعالى: { تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ } كما في قوله سبحانه:فَتُوبُواْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [البقرة: 54] وجوز أن لا يضمر القول على المذهب الكوفي وأن يقدر قائله على أن المقدر حال من الألسنة، ويجوز أن يكون اللام للتعليل و { مَا } مصدرية و { ٱلْكَذِبَ } مفعول الوصف و { هَـٰذَا حَلَـٰلٌ } الخ مقول القول أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لأجل وصف ألسنتكم الكذب، وإلى هذا ذهب الكسائي والزجاج، وحاصله لا تحلوا ولا تحرموا لمجرد وصف ألسنتكم الكذب وتصويرها له وتحقيقها لماهيته كأن ألسنتهم لكونها منشأ للكذب ومنبعاً للزور شخص عالم بكنهه ومحيط بحقيقته يصفه للناس ويعرفه أوضح وأبين تعريف، ومثل هذا وارد في كلام العرب والعجم تقول: له وجه يصف الجمال وريق يصف السلاف وعين تصف السحر، وتقدم بيت المعري، وقد بولغ في الآية من حيث جعل قولهم كذباً ثم جعل اللسان الناطقة بتلك المقالة ينبوعه مصورة إياه بصورته التي هو عليها وهو من باب الاستعارة بالكناية وجعله بعضهم من باب الإسناد المجازي نحو نهاره صائم كأن ألسنتهم لكونها موصوفة بالكذب صارت كأنها حقيقته ومنبعه الذي يعرف منه حتى كأنه يصفه ويعرفه كقوله:
أضحت يمينك من جود مصورة   لا بل يمينك منها صور الجود
وقرأ الحسن وابن يعمر وطلحة والأعرج وابن إسحق وابن عبيد ونعيم بن ميسرة { الكذب } بالجر، وخرج على أن يكون بدلاً من { ما } مع مدخولها، وجعله غير واحد صفة ـ لما ـ المصدرية مع صلتها. وتعقبه أبو حيان بأن المصدر المسبوك من ما أو أن أو كي مع الفعل معرفة كالمضمر لا يجوز نعته فلا يقال: أعجبني أن تقوم السريع كما يقال: أعجبني قيامك السريع، وليس لكل مقدر حكم المنطوق به وإنما يتبع بذلك كلام العرب.

السابقالتالي
2