الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّواْ إِلَيْهَا } أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وجماعة عن جابر بن عبد الله قال: «بينما النبـي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً إذ قدمت عير المدينة فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلاً أنا فيهم وأبو بكر وعمر فأنزل الله تعالى: { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً } إلى آخر السورة، وفي رواية ابن مردويه " عن ابن عباس أنه بقي في المسجد اثنا عشر رجلاً وسبع نسوة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو خرجوا كلهم لاضطرم المسجد عليهم ناراً " وفي رواية عن قتادة " والذي نفس محمد بيده لو اتبع آخركم / أولكم لالتهب الوادي عليكم ناراً " ، وقيل: لم يبق إلا أحد عشر رجلاً، وهم - على ما قال أبو بكر غالب بن عطية - العشرة المبشرة وعمار في رواية وابن مسعود في أخرى، وعلى الرواية السابقة عدوا العشرة أيضاً منهم وعدوا بلالاً وجابراً لكلامه السابق، ومنهم من لم يذكر جابراً وذكر بلالاً وابن مسعود، ومنهم من ذكر عماراً بدل ابن مسعود، وقيل: لم يبق إلا ثمانية، وقيل: بقي أربعون، وكانت العير لعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى تحمل طعاماً، وكان قد أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر.

وأخرج أبو داود في «مراسيله» عن مقاتل بن حيان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين حتى كان يوم جمعة والنبـي صلى الله عليه وسلم يخطب وقد صلى الجمعة فدخل رجل فقال: إن دحية بن خليفة قدم بتجارة وكان إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف فخرج الناس ولم يظنوا إلا أنه ليس في ترك حضور الخطبة شيء فأنزل الله تعالى: { وَإِذَا رَأَوْاْ } الخ فقدَّم النبـي صلى الله عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخَّر الصلاة، ولا أظن صحة هذا الخبر، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل مقدماً خطبتها عليها، وقد ذكروا أنها شرط صحتها وشرط الشيء سابق عليه، ولم أر أحداً من الفقهاء ذكر أن الأمر كان كما تضمنه ولم أظفر بشيء من الأحاديث مستوف لشروط القبول متضمن ذلك، نعم ذكر العلامة ابن حجر الهيتمي أن بعضهم شذ عن الإجماع على كون الخطبة قبلها والله تعالى أعلم.

والآية لما كانت في أولئك المنفضين وقد نزلت بعد وقوع ذلك منهم قالوا: إن { إِذَا } فيها قد خرجت عن الاستقبال واستعملت للماضي كما في قوله:
وندمان تزيد الكأس طيباً   سقيت (إذا) تغورت النجوم
ووحد الضمير لأن العطف بأو واختير ضمير التجارة دون اللهو لأنها الأهم المقصود، فإن المراد باللهو ما استقبلوا به العير من الدف ونحوه، أو لأن الانفضاض للتجارة مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموماً فما ظنك بالانفضاض إلى اللهو وهو مذموم في نفسه؟! وقيل: الضمير للرؤية المفهومة من { رَأَوْاْ } وهو خلاف الظاهر المتبادر، وقيل: في الكلام تقدير، والأصل إذا رأوا تجارة انفضوا إليها، أو لهواً انفضوا إليه فحذف الثاني لدلالة الأول عليه، وتعقب بأنه بعد العطف بأو لا يحتاج إلى الضير لكل منهما بل يكفي الرجوع لأحدهما فالتقدير من غير حاجة، وقال الطيبـي: يمكن أن يقال: إن { أَوْ } في { أَوْ لَهْواً } مثلها في قوله:

السابقالتالي
2 3 4 5