الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } * { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } * { رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً }

قوله: { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ }.

لما ذكر الأحكام ذكر وحذَّر مخالفة الأمر، وذكر عُتُوَّ وحُلُول العذاب بهم، وتقدم الكلام في " كأين " في " آل عمران ".

قوله: { عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا }.

ضمّن " عَتَتْ " معنى أعرض، كأنه قيل: أعرضت بسبب عتوِّها، أي: عتت يعني القرية والمراد أهلها.

وقوله: { فَحَاسَبْنَاهَا } إلى آخره. يعني في الآخرة، وأتى به بلفظ الماضي لتحقُّقه.

وقيل: العذاب في الدُّنيا، فيكون على حقيقته، أي جازيناها بالعذاب في الدُّنيا { وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } في الآخرة وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، أي: فعذبناها عذاباً نكراً في الدنيا بالجوع والقَحْط والسَّيف والخَسْف والمَسْخ وسائر المصائب، وحاسبناها في الآخرة حساباً شديداً.

والنُّكْر: المنكر، وقرىء مخففاً ومثقلاً، وقد مضى في سورة الكهف.

قوله: { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا }. أي: عاقبة كفرها { وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرَهَا خُسْراً } أي: هلاكاً في الدنيا بما ذكرنا وفي الآخرة بجهنم.

قوله: { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ }.

تكرير للوعيد توكيداً.

وجوز الزمخشري أن يكون " عَتَتْ " وما عطف عليه صفة لـ " قَرْيَةٍ " ، ويكون الخبر لـ " كأيٍّ " في الجملة من قوله: { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ }.

وعلى الأول يكون الخبر " عَتَت " وما عطف عليه.

قوله: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }.

منصوب بإضمار أعني، بياناً للمنادى في قوله: { يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي: العُقُول، ويكون عطف بيان للمنادى أو نعتاً له، ويضعف كونه بدلاً لعدم حلوله محل المبدل منه.

قوله: { قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولاً }.

في نصب " رسولاً " أوجه:

أحدها: قال الزجاج والفارسي: إنه منصوب بالمصدر المنون قبله؛ لأنه ينحل لحرف مصدري وفعل، كأنه قيل: أن ذكر رسولاً، ويكون ذكره الرسول قولهمُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } [الفتح: 29]، والمصدر المنون عامل كقوله تعالى:أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } [البلد: 14، 15].

وقول الآخر: [الوافر]
4783 - بِضَرْبٍ بالسُّيُوفِ رُءُوسَ قَوْمٍ   أزَلْنَا هَامَهُنَّ عنِ المَقِيلِ
الثاني: أنه جعل نفس الذكر مبالغة، ويكون محمولاً على المعنى، كأنه قال: قد أظهر لكم ذكراً رسولاً، فيكون من باب بدل الشَّيء من الشَّيء وهو هو.

الثالث: أنه بدل منه على حذف مضاف من الأول، تقديره: أنزل ذا ذكر رسولاً.

الرابع: كذلك، إلا أن " رسولاً " نعت لذلك المحذوف.

الخامس: أنه بدل منه على حذف مضاف، أي ذكراً ذا رسول.

السادس: أن يكون " رَسُولاً " نعتاً لـ " ذِكْراً " أو على حذف مضاف، أي: ذكراً ذا رسول، و " ذا " رسول نعتاً لـ " ذِكْراً ".

السابع: أن يكون " رسولاً " بمعنى رسالة، فيكون " رسولاً " بدلاً صريحاً من غير تأويل، أو بيناً عند من يرى جريانه في النكرات كالفارسي، إلا أن هذا يبعده قوله " يَتْلُو عَلَيْكُم " لأن الرسالة لا تتلو إلا بمجاز.

السابقالتالي
2 3