ثم دلّهم على البعث، وقدرته عليه بما يشاهدونه من عجائب المخلوقات وعظائمها، فقال تعالى: { أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا } بناءً عجيباً متناسباً، لا يفتقر إلى علاقة ولا دعامة، { وَزَيَّنَّاهَا } بالشمس والقمر والنجوم، { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } صدوع وشقوق. فإن [في] ذلك أثر القدرة الباهرة والحكمة البالغة. { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا } بسطناها { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } جبالاً ثوابت، وأنشدوا:
رَسَا أصْلُه تحت الثَّرَى وسَمَا به
إلى النجم فرعٌ لا يُنالُ طويل
{ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } أي: من كل نوع حسن يبهج الناظر إليه. تقول: أبْهَجَنِي هذا الأمر؛ إذا سرَّك. قوله تعالى: { تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ } مفعول له. قال الزجاج: أي فعلنا ذلك ليبصر به ويدل على القدرة. { لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } قال قتادة: تائب إلى ربه. وقال السدي: مخلص. { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } يعني: المطر { مُّبَٰرَكاً } كثير الخير والبركة، { فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ } بساتين { وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } وهو كل ما يحصد، [حُصِدَ أو لم] يُحْصَد. و " الحصيد ": نعتٌ " للحَبّ " ، إلا أنه خُرِّجَ مخرج الإضافة، كقولهم: بارحة الأولى أو حب النبت الحصيد. وقد سبق نظائر هذا في مواضع. { وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ } أي: [طوالاً] { لَّهَا طَلْعٌ } وهو أول ما يبدو من ثمار النخل { نَّضِيدٌ } منضود متراكم، وذلك قبل أن يتفتح، فإذا خرج من أكمامه وتفرَّق فليس بنضيد. { رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ } مفعول له.