الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } * { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً }

قوله تعالى: { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } «عَبُوساً» من صفة اليوم، أي يوماً تعبِس فيه الوجوه من هوله وشدته، فالمعنى نخاف يوماً ذا عبوس. وقال ٱبن عباس يعبس الكافر يومئذ حتى يسيلَ منه عرَق كالقطران. وعن ٱبن عباس: العَبُوس: الضَّيِّق، والقَمْطَرِير: الطويل قال الشاعر:
شـدِيداً عبـوساً قَمْطَـرِيـراً   
وقيل: القَمْطرير الشديد تقول العرب: يوم قَمْطرير وقُمَاطِر وعَصِيب بمعنًى وأنشد الفرّاء:
بنِي عَمِّنَا هل تَذْكُرونُ بَلاَءَنا   عليكْم إذا ما كان يومٌ قُمَاطِرُ
بضم القاف. وٱقْمَطَرَّ إذا ٱشتدّ. وقال الأخفش: القمطرير: أشدّ ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء قال الشاعر:
ففرُّوا إذا ما الحرب ثار غُبارُها   ولَجَّ بها اليومُ العَبُوسُ القُمَاطِرُ
وقال الكسائي: يقال ٱقْمَطَرّ اليومُ وٱزْمَهَرَّ ٱقمطراراً وٱزمِهراراً، وهو القمطرير والزمهرير، ويوم مُقْمَطِرّ إذا كان صعباً شديداً قال الهذليّ:
بَنُو الحرْبِ أُرْضِعْنا لهم مُقْمَطِرَّةٌ   ومَنْ يُلْقَ مِنّا ذلكَ اليومَ يَهْرُبِ
وقال مجاهد: إنّ العُبوس بالشفتين، والقمطرير بالجبهة والحاجبين فجعلها من صفات الوجه المتغيّر من شدائد ذلك اليوم وأنشد ٱبن الأعرابيّ:
يَغْدُو على الصَّيْدِ يَعُودُ مُنْكَسِرْ   ويَقْمَطِرُّ ساعةً ويَكْفَهِرُّ
وقال أبو عبيدة: يقال رجل قَمْطرير أي متقبض ما بين العينين. وقال الزجاج: يقال ٱقْمَطرَّت الناقةُ: إذا رَفَعت ذَنَبها وجَمَعت قُطْرَيها، وزَمَّت بأنفها فٱشتقه مِن القُطْر، وجعل الميم مزيدة. قال أسد بن ناعِصة:
وٱصطليتُ الحروبَ في كلّ يومٍ   باسِلِ الشَّرِّ قَمْطَرِيرِ الصَّباحِ
قوله تعالى: { فَوَقَاهُمُ ٱللَّهُ } أي دفع عنهم { شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ } أي بأسه وشدته وعذابه { وَلَقَّاهُمْ } أي أتاهم وأعطاهم حين لقُوه أي رأوه { نَضْرَةً } أي حسناً { وَسُرُوراً } أي حبوراً. قال الحسن ومجاهد: «نَضْرَةً» في وجوههم «وَسُرُوراً» في قلوبهم. وفي النضرة ثلاثة أوجه: أحدها أنها البياض والنقاء قاله الضحاك. الثاني الحسن والبهاء قاله ٱبن جبير. الثالث أنها أثر النعمة قاله ٱبن زيد.