الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }

ذكروا في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوهاً:

أحدها: أنه ـ تعالى ـ لما حكم بجواز النسخ في الشرائع، فلعلّهم كانوا يطالبونه بتفاصيل ذلك الحكم، فمنعهم الله ـ تعالى ـ عنها، وبين أنَّهم ليس لهم أن يشتغلوا بهذه الأسئلة الفاسدة [كسؤالات قوم موسى عليه الصلاة ولسلام].

وثانيها: لما تقدم من الأوامر والنواهي قال لهم: إن لم تقبلوا ما أمرتكم به وتمرّدتم عن الطاعة كنتم كمن سأل موسى عليه السلام ما ليس له أن يسأله. عن أبي مسلم.

وثالثها: لما أمر ونهى قال: أتفعلون ما أمرتم أم تفعلون كما فعل من قبلكم من قوم موسى؟ و " أم " هذه يجوز أن تكون متّصلة معادلة [لقوله تعال: " ألم تعلم " وهي مفرقة لما جمعته أي: كما أن " أو " مفرقة لما جمعته تقول: اضرب أيهم شئت زيداً أم عمراً، فإذا قلت: اضرب أحدهم.

قلت: اضرب زيداً أو عمراً.

أو تكون منقطعة، فتقدم بـ " بل " والهمز، ولا تكون إِلاَّ بعد كلام تام كقوله: إنما الإبل أم شاء؛ كأنه قال: بل هي شاء، ومنه قوله تعالى:أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } [هود:35] أي: يقولون.

قال الأخْطَلُ: [الكامل]
730ـ كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ     غَلَسَ الظَّلاَمِ مِنَ الرَّبَابِ خَيَالاَ
ويكون إضراباً للالتفات من قصّة إلَى قصة].

قال أبو البقاء: أم هنا منقطعة، إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها ومع أم أَيّهُما، والهمزة من قوله: " ألم تعلم " ليست من " أم " في شيء، والمعنى: بل أتريدون فخرج من كلام إلى كلام.

وأصل تريدون: " تُرْوِدُون "؛ لأنه من رَادَ يَرُودُ، وقد تقدّم، فنقلت حركة " الواو " على " الراء " ، فسكنت " الواو " بعد كسرة فقلبت ياء.

وقيل: " أم " للاستفهام، وهذه الجملة منقطعة عما قبلها.

وقيل: هي بمعنى " بل " وحدها، وهذان قولان ضعيفان.

قوله تعالى: " أَنْ تَسْأَلُوا " ناصب ومنصوب في محل نصب مفعولاً به بقوله: " تريدون " أي: أتريدون سؤال رسولكم.

قوله: " كَمَا سُئِلَ " متعلق بـ " تسألوا " و " الكاف " في محلّ نصب، وفيها التقديران المشهوران: فتقدير سيبويه ورحمه الله تعالى أنها حال من ضمير المصدر المحذوف.

أي: إن تسألوه أي: السؤال حال كونه مُشَبَّهاً بسؤال قوم موسى له، وتقدير جمهور النحاة: أنه نعت لمصدر محذوف، أي: إن تسألوا رسولكم سؤالاً مشبهاً كذا. و " ما " مصدرية، أي: كسؤال موسى. [وأجاز الحوفي كونها بمعنى الذي فلا بد من تقدير عائد أي كالسؤال الذي سأله موسى] و " موسى " مفعول لم يسمّ فاعله، حذف الفاعل للعلم به، أي كما سأل قوم موسى.

السابقالتالي
2 3