الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } الآية.

(والمعنى): عليكم أنفسكم [إذا] أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يقبل منكم.

وقال ابن عمر: هذه لأقوام يأتون بعدنا، إن قالوا لم يُقبل منهم، وأما نحن فقد قال رسول الله: ليُبَلِّغ الشاهد / الغائبَ، فكنا نحن الشهودَ وأنتم الغيب.

وحكى جبير بن نفير عن جماعة من أصحاب النبي أنهم قالوا له في هذه الآية: عسى أن تدرك ذلك الزمان، إذا رأيت شُحّاً مطاعاً، وهوىً متَّبعاً وإعجابَ كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، لا يَضرُّك من ضل إذا اهتديت.

وقال ابن مسعود: لمّا يجىء تأويل هذه بعد، إن القرآن أُنزل حيث أُنزل، منه آيٌ قد مضى تأويلهن قبل أن يَنْزِلْن، ومنه آي تأويلهن على عهد النبي، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي بيسير، ومنه آي قد وقع تأويلهن يوم الحساب، فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولم تُلبَسوا شيعاً، ولم (يَذُق بعضكم) بأس بعض، فأْمُروا بالمعروف وانْهُوا عن المنكر. وإذا اختلفت الأقوال والأهواء، وأُلْبِستم شيعاً، وذاق بعضكم بأس بعض فامرُؤ ونفسَه، عند ذلك جاء تأويل هذه الآية.

وقيل: هي في الكفار، لا يضر المسلمَ كفُر الكافر، عليه نفسه إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر. وجعلها ابن عباس وغيره عامة، وقال في معناها: إنّ العبد إذا أطاع الله فيما أمر به من الحلال والحرام فلا يضره من ضل بعده. وقال ابن المسيب وغيره: معناها: لا يضركم مَن ضل بعد أمركم إياه (بالمعروف) ونهيكم عن المنكر. وروي عن أبي بكر الصديق أنه قال: يا أيها الناس لا تَغْتَرّوا بقول الله جل وعز { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } فيقول أحدكم: " علي نفسي " ، والله، لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف ولَتُنْهَوُنَّ عن المنكر [أو] لَيَسْتَعْمِلَنَّ عليكم شراركم فَلَيَسُومُنَّكم سوء العذاب، (وَلَيَدْعُنَّ) الله خيارُكم فلا يستجيب لهم. قال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأى الناس المنكر والظالم، فلم يأخذوا على يديه، فيوشك أن يَعُمَّهم الله بعقابه.

وقال ابن جبير: معناها: لا يضرُّكُم من كَفَرَ بالله من أهل الكتاب، فإنما عليكم أنفسكم، وليس يضركم كفر الكافر.

(و) قال ابن زيد: كان الرجل إذا أسلم قال له أهل دينه الذي كان عليه: سفَّهتَ آباءك وضللتهم، وفعلت [بآبائك]. كذا وكذا، وكان ينبغي لك أن تنصر [آباءك]، فأنزل الله: { لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } الآية، (أي) إنما عليكم أنفسكم، وليس عليكم من ضلالة آبائكم شيء.

وقد قيل: إن ذلك في الأمر، أُمِروا بأنفسهم، وأُعلِموا أنهم لا يضرهم ارتداد من ارتد، ولا كفر من كفر, وقيل: الآية منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

السابقالتالي
2