الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

{ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ } بإظهار الدال، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن بإدغامها في السين، قال خلف بن هشام البزار: سمعت الكسائي يقول: من قرأ { قَدْ سَمِعَ } فبين الدال فلسانه أعجمي ليس بعربـي، ولا يلتفت إلى هذا فكلا الأمرين فصيح متواتر بل الجمهور على البيان { قَوْلَ ٱلَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا } أي تراجعك الكلام في شأنه وفيما صدر عنه في حقها من الظهار. وقرئ ـ تحاورك ـ والمعنى على ما تقدم، و(تحاولك) أي تسائلك { وَتَشْتَكِى إِلَى ٱللَّهِ } عطف على { تُجَادِلُكَ } فلا محل للجملة من الإعراب، وجوز كونها حالاً أي تجادلك شاكية حالها إلى الله تعالى، وفيه بعد معنى، ومع هذا يقدر معها مبتدأ أي وهي تشتكي لأن المضارعية لا تقترن بالواو في الفصيح فيقدر معها المبتدأ لتكون اسمية. واشتكاؤها إليه تعالى إظهار بثها وما انطوت عليه من الغم والهم وتضرعها إليه عز وجل وهو من الشكو، وأصله فتح الشكوة وإظهار ما فيها، وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء ثم شاع في ذلك.

وهي امرأة صحابية من الأنصار اختلف في اسمها واسم أبيها، / فقيل: خولة بنت ثعلبة بن مالك، وقيل: بنت خويلد، وقيل: بنت حكيم، وقيل: بنت الصامت، وقيل: خويلة بالتصغير بنت ثعلبة، وقيل: بنت مالك بن ثعلبة، وقيل: جميلة بنت الصامت، وقيل: غير ذلك، والأكثرون على أنها خولة بنت ثعلبة بن مالك الخزرجية، وأكثر الرواة على أن الزوج في هذه النازلة أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت، وقيل: هو سلمة بن صخر الأنصاري، والحق أن لهذا قصة أخرى.

" والآية نزلت في خولة وزوجها أوس، وذلك أن زوجها أوساً كان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه فدخل عليها يوماً فراجعته بشيء فغضب، فقال: أنت علي كظهر أمي، وكان الرجل في الجاهلية إذا قال ذلك لامرأته حرمت عليه وكان هذا أول ظهار في الإسلام فندم من ساعته فدعاها فأبت، وقالت: والذي نفس خولة بيده لا تصل إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فينا، فأتت رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالت: يا رسول الله إن أوساً تزوجني وأنا شابة مرغوب فيَّ فلما خلا سني ونثرت بطني ـ أي كثر ولدي ـ جعلني عليه كأمه وتركني إلى غير أحد فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله تنعشني بها وإياه فحدثني بها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «والله ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن»، وفي رواية «ما أراك إلا قد حرمت عليه» قالت: ما ذَكَرَ طلاقاً، وجادلت رسول الله عليه الصلاة والسلام مراراً ثم قالت: اللهم إني أشكو إليك شدة وحدتي وما يشق علي من فراقه، وفي رواية قالت: أشكو إلى الله تعالى فاقتي وشدة حالي وإن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول: اللهم إني أشكو إليك اللهم فأنزلْ علي لسان نبيك وما برحت حتى نزل القرآن فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: يا خولة أبشري قالت: خيراً؟ فقرأ عليه الصلاة والسلام عليها { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ } الآيات ".

السابقالتالي
2