الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

القراءة والحجة:

قرأ أهل الكوفة { تساءلون به } بتخفيف السين، الباقون بتشديدها، وقرأ حمزة وحده { والأرحام } بجر الميم، الباقون بفتحها. فمن قرأ من أهل الكوفة { تساءلون به } بالتخفيف فوجهه ان أصله تتساءلون، فحذف احدى التاءين وهي الاصلية، لأن الاخرى للمضارعة، وانما حذفوها لاستثقالهم إياها في اللفظ فحذفت لأن الكلام غير ملتبس. ومن شدد أدغم احدى التاءين في السين، لقرب مكان هذه من هذه.

المعنى:

ومعنى { تساءلون به } تطلبون حقوقكم به { والأرحام } القراءة المختارة عند النحويين النصب في الارحام على تقدير: واتقوا الارحام. وتكون معطوفة على موضع { به } ذكره أبو علي الفارسي، فأما الخفض فلا يجوز عندهم إلا في ضرورة الشعر كما قال الشاعر أنشده سيبويه:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا   فاذهب فما بك والايام من عجب
فجرّوا الايام عطفاً على موضع الكاف في " بك " وقال آخر:
نعلق في مثل السواري سيوفنا   وما بينها والكعب غوط نفانف
فعطف الكعب على الهاء والالف في (بينها) وهو ظاهر على مكنى وقال آخر:
وان الله يعلمني ووهباً   وانا سوف نلقاه سوانا
فعطف وهباً على الياء في يعلمني، ومثل ذلك لا يجوز في القرآن والكلام. قال المازني: لأن الثاني في العطف شريك للأول، فان كان الأول يصلح أن يكون شريكا للثاني جاز وإن لم يصلح أن يكون الثاني شريكا له لم يجز، قال: فكما لا تقول: مررت بزيد وذاك لا تقول مررت بك وزيد. وقال أبو علي الفارسي: لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل فكأنه كالتنوين في الاسم فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه. ويفسد من جهة المعنى من حيث ان اليمين بالرحم لا يجوز، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " لا تحلفوا بآبائكم " فكيف تساءلون به وبالرحم على هذا وقال اسماعيل بن اسحاق: الحلف بغير الله أمر عظيم، وان ذلك خاص لله تعالى، وهو المروي في أخبارنا. وقال ابراهيم النخعي وغيره: انه من قولهم: نشدتك بالله وبالرحم. وقال ابن عباس، والسدي، وعكرمة، والحسن، والربيع، والضحاك، وابن جريج، وابن زيد، وقتادة: المعنى والارحام فصلوها. وهذه الآية خطاب لجميع المكلفين من البشر.

وقوله: { واتقوا ربكم } فيه وعظ بان يتقى عصيانه بترك ما أمر به وارتكاب ما نهى عنه. وحذر من قطع الارحام لما أراد من الوصية بالاولاد والنساء والضعفاء، فأعلمهم انهم جميعاً من نفس واحدة، فيكون ذلك داعياً لهم إلى لزوم أمره وحدوده في ورثتهم ومن يخلفون بعدهم، وفي النساء والأيتام عطفاً لهم عليهم. ثم اخبر تعالى انه خلق الخلق من نفس واحدة فقال: { الذي خلقكم من نفس واحدة } والمراد بالنفس ها هنا آدم عند جميع المفسرين: السدي وقتادة ومجاهد وغيرهم.

السابقالتالي
2