الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } عَدَّى اتِخذ إلى مفعولين، وهما { وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ }. والعَدُوّ فَعُول من عَدَا، كعفُوّ من عَفَا. ولكونه على زِنَة المصدر أوقع على الجماعة إيقاعه على الواحد. وفي هذه الآية سبع مسائل: الأولى ـ: قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ } روى الأئمة ـ واللفظ لمسلم ـ " عن عليّ رضي الله عنه قال: بَعَثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنا والزُّبير والمِقْداد فقال: «ائتوا رَوْضَة خَاخٍ فإن بها ظَعِينة معها كتاب فخذوه منها»، فانطلقنا تَعادَى بنا خَيْلُنا، فإذا نحن بالمرأة، فقلنا: أخْرِجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب. فقلنا: لَتُخْرِجَنّ الكتاب أو لَتُلْقِيَنَّ الثياب، فأخرجته من عِقاصها. فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ... إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حاطب ما هذا؟» قال لا تعجل عليّ يا رسول الله، إني كنت امرأً مُلْصَقاً في قريش ـ قال سفيان: كان حَلِيفاً لهم، ولم يكن من أنْفُسِها ـ وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يَحْمُون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النَّسَب فيهم أن أتّخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «صَدَق». فقال عمر: دَعْني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال: «إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» " فأنزل الله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ }. قيل: اسم المرأة سارّة من موالي قريش. وكان في الكتاب: «أمّا بعدُ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توّجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسَّيْل، وأقسم بالله لو لم يَسْر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم، وأنجز له مَوْعِدَه فيكم، فإن الله ولِيُّه وناصره. ذكره بعض المفسرين. وذكر القُشَيرِيّ الثعلبي: أن حاطب بن أبي بَلْتَعَة كان رجلاً من أهل اليمن، وكان له حِلْف بمكة في بني أسد بن عبد العُزَّى رَهْطِ الزبير بن العوام. وقيل: كان حليفاً للزبير بن العوّام، فقدمت من مكة سارّة مولاة أبي عمرو بن صَيْفيّ بن هشام بن عبد مناف إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهّز لفتح مكة. وقيل: كان هذا في زمن الحُدَيْبِية فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «أمُهاجرة جئت يا سارة». فقالت لا. قال: «أمسلمة جئت» قالت لا. قال: «فما جاء بك» قالت: كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة، وقد ذهب الموالي ـ تعني قُتلوا يوم بدر ـ وقد احتجتُ حاجةً شديدة فقدِمت عليكم لتعطوني وتكسوني فقال عليه الصلاة والسلام: «فأين أنتِ عن شباب أهل مكة» وكانت مغنية، قالت: ما طُلب منِّي شيء بعد وقعة بدر. فحثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها فكسَوْها وأعطوها وحملُوها فخرجت إلى مكة، وأتاها حاطب فقال: أعطيك عشرة دنانير وبُرُداً على أن تبلِّغي هذا الكتاب إلى أهل مكة. وكتب في الكتاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حِذْركم. فخرجت سارّة، ونزل جبريل فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فبعث علياً والزبير وأبا مَرْثَد الغَنَوِيّ. وفي رواية: عليّا والزبير والمِقْداد. وفي رواية: أرسل عليّاً وعمّار بن ياسر. وفي رواية: عليّا وعماراً وعمر والزبير وطَلْحة والمقداد وأبا مَرْثَد ـ وكانوا كلهم فرساناً ـ وقال لهم: «انطلقوا حتى تأتوا رَوْضَة خاخٍ فإن بها ظعينة ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلُّوا سبيلها فإن لم تدفعه لكم فاضربوا عنقها» فأدركوها في ذلك المكان، فقالوا لها: أين الكتاب؟ فحلفت ما معها كتاب، ففتشوا أمتعتها فلم يجدوا معها كتابا، فهمُّوا بالرجوع فقال عليّ: والله ما كَذَبَنا ولا كَذَّبْنَا! وسَلَّ سيفه وقال: أخرجي الكتاب وإلا والله لأجردنّكِ ولأضرِبَنّ عنقكِ، فلما رأت الجِدّ أخرجته من ذؤابتها ـ وفي رواية من حُجْزَتها ـ فخلّوْا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأرسل إلى حاطب فقال: «هل تعرف الكتاب؟» قال نعم. "

السابقالتالي
2 3 4