الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }

فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } في الصحيحين وغيرهما واللفظ لمسلم عن ابن عباس قال: لما نزلتوَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214]. «ورهطك منهم المخلصين» " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صَعِد الصَّفا، فهتَفَ: يا صباحاه! فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد. فاجتمعوا إليه. فقال: «يا بَني فُلان، يا بني فلان، يا بني فُلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبدِ المطلب!» فاجتمعوا إليه. فقال: «أَرَأَيْتَكُمْ لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مُصَدِّقِي؟» قالوا: ما جربنا عليك كذباً. قال «فإنِّي نذيرٌ لَكُمْ بينَ يَديّ عَذاب شَدِيد» " فقال أبو لهب: تَبْاً لك، أما جمعتنا إلاَّ لهذا! ثم قام، فنزلت هذه السورة { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة. زاد الحميدي وغيره: فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وفي يدها فِهر من حجارة، فلما وقفتْ عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ترى إلا أبا بكر. فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفِهر فاه، والله إني لشاعرة:
مُذَمَّماً عَصَيْنَا   وأمْرَهُ أَبَيْنا وَدِينَه قَلَيْنَا
ثم انصرفت. فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما تراها رأتك؟ قال: «ما رأتني، لقد أخذ الله بصرها عني». وكانت قريش إنما تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مُذَمَّماً، يسبونه، وكان يقول: " ألا تعجبون لِما صرف الله عني من أذى قريش، يَسُبّون ويهجون مذمماً وأنا محمد " وقيل: إن سبب نزولها ما حكاه عبد الرحمن بن زيد " أن أبا لهب أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا أُعْطَى إن آمنتُ بك يا محمد؟ فقال: «كما يُعْطَى المسلمون» قال ما لي عليهم فضل؟!. قال: «وأيّ شيء تَبْغي؟» قال: تبًّا لهذا من دين، أن أكون أنا وهؤلاء سواء فأنزل الله تعالى فيه: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } " وقول ثالث حكاه عبد الرحمن بن كيسان قال: كان إذا وفد على النبيّ صلى الله عليه وسلم وفد انطلق إليهم أبو لهب، فيسألونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون له: أنت أعلم به منا. فيقول لهم أبو لهب: إنه كَذَّاب ساحر. فيرجعون عنه ولا يَلْقونه. فأتى وفد، ففعل معهم مثل ذلك، فقالوا: لا ننصرف حتى نراه، ونسمع كلامه. فقال لهم أبو لهب: إنا لم نزل نعالجه فتَبًّا له وتَعْساً.

السابقالتالي
2 3