الرئيسية - أسباب النزول



أسباب نزول آيات سورة ( التوبة ) (للواحدي)

{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
قوله تعالى: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً}. [41].
نزلت في الذين اعتذروا بالضَّيْعَة والشغل وانتشار الأمر، فأبى الله تعالى أن يعذرهم دون أن ينفروا، على ما كان منهم.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر، قال: حدَّثنا إبراهيم بن علي، قال: حدَّثنا يحيى بن يحيى، قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن ابن جدعان [وهو علي بن زيد] عن أنس، قال:
قرأ أبو طلحة {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً} فقال: ما أسمع الله عَذَر أحداً فخرج مجاهداً إلى الشام حتى مات.
وقال السُّدّي: جاء المِقْدَادُ بن الأَسْوَد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عظيماً سميناً، فشكا إليه وسأله أن يأذن له، فنزلت فيه: {ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً}.
فلما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس؛ فنسخها الله تعالى وأنزل: {لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ} الآية.
ثم أنزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين قوله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً} الآية، وقوله تعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} وذلك أن رسول اله صلى الله عليه وسلم لما خرج ضرب عسكره على ثَنيَّةِ الوَدَاع، وضرب عبد الله بن أُبَيّ عَسْكَرَه على ذي جُدَّة أسفلَ من ثَنِيَّةِ الوَدَاع، ولم يكن بأقل العسكرين؛ فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبيّ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب. فأنزل الله تعالى يعزّي نبيه صلى الله عليه وسلم: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} الآية.

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ }
قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} الآية. [49].
نزلت في جَدّ بن قَيْس المنافق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَا تجهز لغزوة تبوك قال له: يا أبا وَهْب، هل لك في جِلاَدِ بني الأصْفَر تتخذ منهم سراري ووُصَفَاء؟ فقال: يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء، وإني أخشى إن رأيت بنات [بني] الأصفر أن لا أصبر عنهن، فلا تفتني بهن، وائذن لي في القعود عنك فأعينك بمالي؛ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: قد أذنت لك. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة -وكان الجد منهم -: من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: الجَدُّ بن قيس، غير أنه بخيل جبان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأي داء أدْوَى من البخل، بل سيدكم الفتى الأبيض، الجَعْدُ: بِشْرُ بن البَرَاءِ بن معرور". فقال فيه حسان بن ثابت:
وقال رسول الله والحق لا حـق * بمن قال منا: مَن تعدون سيدا
فقلنا له: جدُّ بن قيس على الذي * نبخله فيـنــا وإن كـان أنـكـدا
فقال: وأيّ الداء أدْوَى مِنَ الذي * رميتم به جَدَّاً وعَالَى بها يـدَا
وسوَّد بشر بـن البـرَاءِ بجــودِه * وحُقَّ لبشر ذي الندا أن يُسَوَّدَا
إذا ما أتـاه الوفـد أنهــب مالــه * وقال: خـذوه إنــه عائــد غــدا
وما بعد هذه الآية كلها للمنافقين إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ} الآية [60].

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ }
قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ....} الآية. [58].
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثَّعْلبي، قال: حدَّثنا عبد الله بن حامد، قال: حدَّثنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى، قال حدَّثنا عبد الرزاق، قال: حدَّثنا مَعْمَر، عن الزُّهْرِي، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخُدْرِي، قال:
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقسم قسماً، إذ جاءه ابن ذي الخُوَيْصِرَة التَّمِيمِي، وهو حرْقُوص بن زُهَير أصل الخوارج، فقال: اعدل فينا يا رسول الله، فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ فنزلت: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ....} الآية. رواه البخاري عن عبد الله بن محمد، عن هشام بن معمر.
وقال الكلبي: نزلت في المؤلفة قلوبهم، وهم المنافقون، قال رجل [منهم] يقال له: أبو الجَوَّاظ؛ للنبي عليه السلام: لم تقسم بالسوية، فأنزل الله تعالى {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ}.

السابق  التالي