الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن هارون قال لأخيه موسى { يٰٱبْنَأُمِّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } وذلك يدل على أنه لشدة غضبه أراد أن يمسك برأسه ولحيته. وقد بين تعالى في " الأعراف " أنه أخذ برأسه يجره إليه. وذلك في قولهوَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } الأعراف 150. وقوله { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } من بقية كلام هارون. أي خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل، وأن تقول لي لم ترقب قولي! أي لم تعمل بوصيتي وتمتثل أمري. تنبيه هذه الآية الكريمة بضميمة آية " الأنعام " إليها تدل على لزوم إعفاء اللحية، فهي دليل قرآني على إعفاء اللحية وعدم حلقها. وآية الأنعام المذكورة هي قوله تعالىوَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ } الأنعام 84 الآية. ثم إنه تعالى قال بعد أن عد الأنبياء الكرام المذكورينأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } الأنعام 90 فدل ذلك على أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك أمر لنا. لأن أمر القدوة أمر لأتباعه! كما بينا إيضاحه بالأدلة القرآنية في هذا الكتاب المبارك في سورة " المائدة " وقد قدمنا هناك أنه ثبت في صحيح البخاري أن مجاهداً سأل ابن عباس من أين أخذت السجدة في " ص " قال أو ما تقرأوَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ } الأنعام 84أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } الأنعام 90 فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا علمت بذلك أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم في سورة " الأنعام " ، وعلمت أن أمره أمر لنا. لأن لنا فيه الأسوة الحسنة، وعلمت أن هارون كان موفراً شعر لحيته بدليل قوله لأخيه { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي } لأنه لو كان حالقاً لما أراد أخوه الأخذ بلحيته ـ تبين لك من ذلك بإيضاح أن إعفاء اللحية من السمت الذي أمرنا به في القرآن العظيم، وأنه كان سمت الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم. والعجب من الذين مضخت ضمائرهم، واضمحل ذوقهم، حتى صاروا يفرون من صفات الذكورية، وشرف الرجولة، إلى خنوثة الأنوثة، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم، ويتشبهون بالنساء حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر والأنثى وهو اللحية. وقد كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، وهو أجمل الخلق وأحسنهم صورة. والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها ليس فيهم حالق. نرجو الله أن يرينا وإخواننا المؤمنين الحق حقاً، ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. أما الأحاديث النبوية الدالة على إعفاء اللحية، فلسنا بحاجة إلى ذكرها لشهرتها بين الناس، وكثرة الرسائل المؤلفة في ذلك.

السابقالتالي
2