الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

القراءة: قرأ أهل المدينة والكسائي وحفص بينكم بالنصب والباقون بالرفع. الحجة: قال أبو علي: استعمل هذا الاسم على ضربين أحدهما: أن يكون اسماً متصرفاً كالافتراق والآخر: أن يكون ظرفاً، والمرفوع في قراءة من قرأ لقد تقطع بينكم هو الذي كان ظرفاً ثم استعمل اسماً والدليل على جواز كونه اسماً قولـهومن بيننا وبينك حجاب } [فصلت: 5] وهذا فراق بيني وبينك } [الكهف: 78] فلما استعمل اسماً في هذه المواضع جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو تقطع في قول من رفع والذي يدلّ على أن هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفاً أنه لا يخلو من أن يكون الذي كان ظرفاً اتَّسع فيه أو يكون الذي هو مصدر فلا يجوز أن يكون المصدر لأن تقديره يكون لقد تقطع افتراقكم وهذا خلاف المعنى المراد لأن المراد لقد تقطع وصلكم وما كنتم تتألفون عليه. فإن قلت كيف جاز أن يكون بمعنى الوصل وأصله الافتراق والتمايز قيل إنه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين في نحو بيني وبينه شركة وبيني وبينه رحم وصداقة صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة وعلى خلاف الفرقة فلهذا قد جاء قد تقطَّع بينكم بمعنى تقطَّع وصلكم. فأما من نصب بينكم ففيه مذهبان أحدهما: أنه أضمر الفاعل في الفعل ودلَّ عليه ما تقدم من قولـه { وما نرى معكم شفعاءكم } لأن هذا يدلُّ على التقاطع وذلك المضمر هو الوصل فكأنه قال لقد تقطَّع وصلكم بينكم، وقد حكى سيبويه أنهم قالوا إذا كان غداً فأتني وأضمر ما كانوا فيه من رخاء وبلاء لدلالة الحال عليه. والمذهب الآخر: أنه انتصب على شيء يراه أبو الحسن فإنه يذهب إلى أنَّ معناه معنى المرفوع فلما جرى في كلامهم منصوباً ظرفاً تركوه على ما يكون عليه في أكثر الكلام وكذلك يقول في قولـه يوم القيامة يفصل بينكم وقولـه وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ودون في موضع رفع عنده وإن كان منصوب اللفظ كما يقال منا الصالح ومنا الطالح. اللغة: فرادى جمع فرد وفريد وفَرِد والعرب تقول فرادى وفراد فلا يصرفونها تشبيهاً بثلاث ورباع قال الشاعر:
تَرى النُّعَراتِ الْبِيضَ تَحْتَ لَبانِهِ   فُرَاد ومَثْنى أصْعَقَتْها صَواهِلُه
وقال النابغة:
مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مَوْشيٌ أكارِعُهُ   طاوي المَصِيرِ كَسَيْفِ الصّيْقَلِ الْفَرَدِ
ومثل الفرادى الرُدافى والقُرابى والتخويل الإعطاء وأصله تمليك الخَول كما أن التمويل هو تمليك الأموال وخوَّله الله أعطاه مالاً وفلان خَوْلي مالٍ وخالُ مالٍ وخائلُ مالٍ إذا كان يصلح المال وهم خَوَل فلانٍ أي أتباعه الواحد خائل والزعم قد يكون حقاً وقد يكون باطلاً قال الشاعر:
يَقُولُ هَلَكْنا إنْ هَلَكْتَ وَإنَّما   عَلَى اللهِ أرْزَاقُ الْعِبادِ كَما زَعَمْ
والبين مصدر بأن يبين إذا فارق قال الشاعر:

السابقالتالي
2