الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }؛ أي جئتمونا بلا مَالٍ ولا وَلَدٍ كما خلقناكُم في الابتداءِ، والمعنى: أنهُ يقال لَهم: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ }. وفي الخبرِ: " أنَّهُمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (وَاسَوْأَتَاهُ! الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ كَذلِكَ) فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ، لاَ يَنْظُرُ الرِّجَالُ إلَى النِّسَاءِ، وَلاَ النِّسَاءُ إلَى الرِّجَالِ، شُغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ".

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ }؛ أي وخلَّفتُم ما أعطيناكم من الأموال لغيركم أي خَلَّفَ عليها غيرَكم في دار الدُّنيا، ولم تقدِّموها لأنفسكم، { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ } ، آلِهَتَكَم، { ٱلَّذِينَ } ، التي، { زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ } ، يشفعون لكم ويقرِّبونكم إلَيَّ، { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ }؛ أي وَصْلُكُمْ.

ومن قرأ (بَيْنَكُمْ) بالنصب فمعناه: تقطعَ ما بينَكم؛ أي ما كنتم فيه من الشِّركة، { وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }؛ أنَِّها شفعاؤُكم عندَ الله حين لم يقدرُوا عن دفعِ شيء من العذاب عنكُم.

وقال الحسنُ: (مَعْنَى قَوْلِهِ: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ } أيْ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ). وقال ابنُ كيسان: (مُفْرَدِيْنَ مِنَ الْمَعْبُودِيْنَ). وقيل: (فُرَادَى) أي وحْداناً لا مالَ لكم ولا زوجَ ولا ولدَ ولا خدم. فُرَادَى: جمعَ فَرْدٍ، مثلُ سَكْرَانٍ وَسُكَارَى، كَسْلاَنٍ وكُسَالَى. ويقال أيضاً: فُرَادَى بجزمِ الرَّاء وكسرها وفتحها، وجمعه أفْرَادٌ. وقرأ الأعرجُ: (فُرْدَى) بغيرِ ألِفٍ مثل سُكْرَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } أي ما أعطيناكم وملَّكناكم من الأموال والأولاد والخدَم وراءَ ظهوركم في الدنيا. قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } قرأ أهلُ الحجاز والحسن ومجاهد والكسائيُّ وحفص بالنصب؛ وهي قراءة أبي موسَى الأشعري، وقرأ الباقون بالرفع.