الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ } قال ابن عباس: هو الجنة.

وقال الحسن: المعنى: لن تكونوا أبراراً.

قال القاضي أبو يعلى: لم يُرِد نفي الأصل، وإنما نفي وجود الكمال.

{ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } أي: حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها.

والمراد بذلك: النفقة في وجوه الطاعات والقربات إلى الله، سواء أكانت فرضاً كالزكاة، أو نفلاً.

ولما نزلت هذه الآية بادر ذوو النيات إلى العمل بها.

ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال: " كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بالمَدِينَةِ مَالاً من نخل، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَا، وَكَانَتْ مُسْتَقْبلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ النبي يَدْخُلُهَا فَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قَالَ أَنَس: فَلَمَّا نَزَلَتْ: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يا رسول الله، إِنَّ الله يَقُولُ: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَا، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لله أَرْجُو برَّهَا وَذخْرَهَا عِنْدَ الله، فَضَعْهَا حيثُ أراكَ الله، فقَالَ: بَخْ، ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ، أو رايح " -شك الراوي-، " وقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا في الأَقْرَبينَ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أَقَارِبهِ وَبَني عَمِّهِ ".

وجاء زيد بن حارثة بفرس كان يحبها، فقال: هذه في سبيل الله، فحمل عليها النبي أسامة بن زيد، فكأنَّ زيداً وجد في نفسه، وقال: إنما أردت أن أتصدق به. فقال رسول الله: " أما إن الله قد قبلها منك ".

وأعتقت امرأة جارية لا تملك غيرها، فقال النبي: " حَجَبَتْكِ من النار ".

ويروى أن ابن عمر رضي الله عنهما قرأ هذه الآية يوماً، فقال: لا أجد شيئاً أحب إليّ من جاريتي رُمَيْثَة، هي حُرَّة لوجه الله تعالى. ثم قال: لولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها، فأنكحها نافعاً مولاه، فهي أم ولده.

وأخرج الإمام أحمد في كتاب الزهد بإسناده: أن الربيع بن خُثَيم جاءه سائل في ليلة باردة، فخرج إليه فرآه كأنه مَقْرُور، فقال: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } ، فنزع برنساً له، فأعطاه إياه.

ووقف سائل على بابه مرة أخرى، فقال: أطعموه سُكَّراً، فقالوا: الخبز أنفع له، فقال: ويحكم، أطعموه سُكَّراً فإن الربيع يحب السُّكَّر.