الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }

قرأ ابن كثير وأبو عمرو { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا } بالتاء فيهن. الباقون بالياء فيهن. ومن قرأ بالياء حمله على أنه للغيبة بدلالة قوله: { وما قدروا الله حق قدره إِذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى يجعلونه } فيحمله على الغيبة لان ما قبله غيبة. ومن قرأ بالتاء حمله على الخطاب يعني قل لهم: { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا } ويقوي القراءة بالتاء، قوله { وعلمتم ما لم تعلموا } فجاء على الخطاب، وكذلك ما قبله.

ومعنى { تجعلونه قراطيس } تجعلونه ذوي قراطيس اي تودعونه إِياها { وتخفون } أي تكتمونه، وموضع قوله { تبدونها وتخفون كثيراً } يحتمل أمرين:

احدهما - ان يكون صفة القراطيس، لان النكرة توصف بالجمل.

والآخر - أن نجعله حالا من ضمير الكتاب من قوله { تجعلونه قراطيس } على أن تجعل القراطيس الكتاب في المعنى، لانه مكتوب فيها.

روي أن سبب نزول هذه الآية أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رأى حبراً من أحبار اليهود سمينا يقال له: مالك بن الضيف، وقيل: فنحاص، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) " أليس في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين " ؟ فغضب، وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فلعنته اليهود وتبرأت منه، فنزلت هذه الآية، ذكر ذلك عكرمة وقتادة، وقال محمد بن كعب القرطي: نزلت في جماعة من اليهود. وروي مثل ذلك عن ابن عباس. وقال مجاهد نزلت في مشركي قريش، وروي ذلك عن ابن عباس أيضا، وهو أشبه بسياق الآية، لانهم الذين أنكروا أن يكون الله أنزل كتابا على بشر، دون اليهود والنصارى.

ومعنى قوله { وما قدروا الله حق قدره } أي ما عرفوه حق معرفته وما وصفوه بما هو أهل أن يوصف به { إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } أي ما أرسل الله رسولا، ولم ينزل على بشر من شيء، مع أن المصلحة والحكمة يقتضيان ذلك، ودلت المعجزات الباهرة على بعثة كثير منهم. ثم أمر الله نبيه أن يقول لهم { من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس } فانهم يقرون بذلك، وان الله أنزله وبعث موسى (ع) نبيا وإِن لم يقرُّوا بذلك فقد خرجوا من اليهودية الى قول من ينكر النبوات. والكلام على من انكر ذلك أصلا مذكور في النبوات مستوفى لا نطول بذكره ها هنا.

وعلى ما قلناه: من أن الآية متوجهة الى مشركي قريش من حيث أن الله تعالى من أول السورة الى ها هنا في الاخبار عن أوصاف المشركين وعن أحوالهم وكذلك أول الآية في قوله { وما قدروا الله حق قدره } لأنهم كانوا لا يعتقدون التوحيد ويعبدون مع الله الاصنام، وأهل الكتاب كانوا بخلاف ذلك، لأنهم كانوا يعتقدون التوحيد فلا يليق بهم ذلك، وإِن كان اليهود عندنا أيضا غير عارفين بالله على وجه يستحقون به الثواب.

السابقالتالي
2