الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ }.

تقدمت قراءتا " يُنْزِلُ " تخفيفاً وتشديداً في " البقرة ".

وزيد بن علي: " أنْزَلَ " ماضياً.

وقوله: { آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } يعني القرآن.

وقيل: المعجزات، أي: لزمكم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لما معه من المعجزات والقرآن أكبرها وأعظمها.

{ لِّيُخْرِجَكُم } أي: بالقرآن.

وقيل: بالرسول.

وقيل: بالدعوة، { مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ } ، وهو الشرك والكفر.

{ إِلَى ٱلنُّورِ } وهو الإيمان { وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }.

فصل في إرادة الله للإيمان

قال القاضي: هذه الآية تدل على إرادته للإيمان، أكد ذلك بقوله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }.

فإن قيل: أليس يدل ظاهرها على أنه يخرج من الظلمات إلى النور، فيجب أن يكون الإيمان من فعله؟.

قلنا: إذا كان الإيمان بخلقه لا يبقى لقوله: { هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم } [الحديد: 9] معنى؛ لأن ما يخلقه لا يتغير، بل المراد أنه يلطف بهم.

قال ابن الخطيب: وهذا على حسنه معارض بالعلم؛ لأنه علم أن إيمانهم لا يوجد فقد كلفهم بما لا يوجد، فكيف يعقل مع هذا أنه أراد منهم الخير والإحسان، وحمل بعضهم قوله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } على بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ولا وجه لهذا التخصيص.

قوله تعالى: { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ }.

الكلام فيه كالكلام في قوله:وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ } [البقرة: 246]، فالأصل: " في ألا تنفقُوا ".

فلما حذف حرف الجر جرى الخلاف المشهور، وأبو الحسن يرى زيادتها كما تقدم تقريره في البقرة.

قوله: { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ } جملة حالية من فاعل الاستقرار أو مفعوله، أي: وأي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله، والحال أن ميراث السموات والأرض له، فهذه حال منافية.

فصل في الكلام على الإنفاق

لما أمر أولاً بالإيمان وبالإنفاق، ثم أكَّده في الآية المتقدمة بإيجاب الإيمان بالله أتبعه في هذه الآية بتأكيد إيجاد الإنفاق، والمعنى: أنكم ستموتون فتورثون، فهلا قدّمتموه في الإنفاق على طاعة الله؟.

وتحقيقه: أن المال لا بد وأن يخرج من اليد، إما بالموت وإما بالإنفاق في سبيل الله، فإن خرج بالموت كان أثره اللَّعنُ والمقتُ والطرد والعقاب، وإن خرج بالإنفاق في سبيل الله كان أثره المدح والثواب وإذا كان لا بد من خروجه من اليد، فكل عاقل يعلم أن خروجه عن اليد بحيث يستعقب المدح والثواب أولى منه مما يستعقب اللعن والعقاب، ثم لما بين تعالى أن الإنفاق في سبيل الله فضيلة بيَّن أن المسابقة في الإنفاق تمام الفضيلة، فقال: { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ }.

قوله: { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ }.

في فاعل " يستوي " وجهان:

أظهرهما: أنه " مَنْ أنفق " وعلى هذا فلا بد من حذف معطوف يتم به الكلام، فقدره الزمخشري: لا يستوي منكم من أنفق قبل فتح " مكة " وقوة الإسلام، ومن أنفق من بعد الفتح، [فحذف لوضوح الدلالة].

السابقالتالي
2 3 4