الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

فيه ثلاث عشرة مسألة: الأولى ـ: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ } قرأ عبد الله بن الزبير والأعمش وغيرهما «الجُمْعة» بإسكان الميم على التخفيف. وهما لغتان. وجمعهما جُمَع وجُمُعات. قال الفرّاء: يقال الْجُمعة بسكون الميم والجُمُعة بضم الميم والجُمَعة بفتح الميم فيكون صفة اليوم أي تجمع الناس. كما يقال: ضُحَكة للذي يضحك. وقال ابن عباس: نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم فاقرءوها جُمُعه، يعني بضم الميم. وقال الفراء وأبو عبيد: والتخفيف أقْيَس وأحسن نحو غُرْفة وغُرَف، وطُرْفة وطُرَف، وحُجرْة وحُجَر. وفتحُ الميم لغة بني عقيل. وقيل: إنها لغة النبيّ صلى الله عليه وسلم. وعن سَلْمان أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " إنما سُمّيت جمعة لأن الله جمع فيها من خلق آدم " وقيل: لأن الله تعالى فرغ فيها خلق كل شيء فاجتمعت فيها المخلوقات. وقيل: لتجتمع الجماعات فيها. وقيل: لاجتماع الناس فيها للصلاة. و «مِن» بمعنى «في» أي في يوم كقوله تعالى:أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } [الأحقاف:4] أي في الأرض. الثانية ـ: قال أبو سلمة: أول من قال: «أما بعد» كعب بن لُؤَيّ، وكان أوّل من سَمَّى الجمعة جمعة. وكان يقال ليوم الجمعة: العَرُوبة. وقيل: أول من سماها جمعة الأنصارُ. قال ابن سيرين: جمع أهل المدينة مِن قبل أن يَقْدَم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة وهم الذين سموها الجمعة وذلك أنهم قالوا: إن لليهود يوماً يجتمعون فيه، في كل سبعة أيام يوم وهو السبت. وللنصارى يوم مثل ذلك وهو الأحد فتعالوا فلنجتمع حتى نجعل يوماً لنا نذكر الله ونصلي فيه ونستذكر ـ أو كما قالوا ـ فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العَرُوبة. فاجتمعوا إلى أسعد بن زُرَارة أبو أمامة رضي الله عنه فصلّى بهم يومئذ ركعتين وذكّرهم، فسمّوْهُ يوم الجمعة حين اجتمعوا. فذبح لهم أسعد شاةً فتعشَّوْا وتغدّوْا منها لقلتهم. فهذه أوّل جمعة في الإسلام. قلت: وروى أنهم كانوا اثني عشر رجلا على ما يأتي. وجاء في هذه الرواية: أن الذي جَمّع بهم وصلّى أسعد بن زُرَارة، وكذا في حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب على ما يأتي. وقال البَيْهَقِيّ: وروينا عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزُّهْرِيّ أن مُصْعَب ابن عمير كان أولَ من جَمّع الجمعة بالمدينة للمسلمين قبل أن يَقْدَمها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي: يحتمل أن يكون مصعب جَمع بهم بمعونة أسعد بن زُرَارة فأضافه كعب إليه. والله أعلم. وأما أوّل جمعة جمَّعها النبيّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقال أهل السير والتواريخ: قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً حتى نزل بقُبَاء، على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لأثنتي عشرة ليلةٍ خلت من شهر ربيع الأوّل حين اشتّد الضُّحَى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9