الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ }. لما بين تعالى أنه آتى النَّبي صلى الله عليه وسلم السبع المثاني والقرآن العظيم، وذلك أكبر نصيب، وأعظم حظ عند الله تعالى، نهاه أن يمد عينيه إلى متاع الحياة الدنيا الذي متع به الكفار. لأن من أعطاه ربه جل وعلا النصيب الأكبر والحظ الأوفر، لا ينبغي له أن ينظر إلى النصيب الأحقر الأخس، ولا سيما إذا كان صاحبه إنما أعطيه لأجل الفتنة والاختبار. وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله في طهفَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } طه 130-132 والمراد بالأزواج هنا الأصناف من الذين متعهم الله بالدنيا. قوله تعالى { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ }. الصحيح في معنى هذه الآية الكريمة أن الله نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الحزن على الكفار إذا امتنعوا من قبول الإسلام. ويدل لذلك كثرة ورود هذا المعنى في القرآن العظيم. كقولهوَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } النحل 127، وقولهفَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } فاطر 8، وقولهلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } الشعراء 3، وقولهفَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } الكهف 6، وقولهوَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } المائدة 68 إلى غير ذلك من الآيات. والمعنى قد بلغت وليست مسؤولاً عن شقاوتهم إذا امتنعوا من الإيمان، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب، فلا تحزن عليهم إذا كانوا أشقياء. قوله تعالى { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ }. أمر الله جل وعلا نبيه في هذه الآية الكريمة بخفض جناحه للمؤمنين. وخفض الجناح كناية عن لين الجانب والتواضع، ومنه قول الشاعر
وأنت الشهير بخفض الجناح فلا تك في رفعه أجدلا   
وبين هذا المعنى في مواضع أخر. كقوله في الشعراءوَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الشعراء 215، وكقولهفَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } آل عمران 159 إلى غير ذلك من الآيات. ويفهم من دليل خطاب الآية الكريمة - أعني مفهوم مخالفتها - أن غير المؤمنين لا يخفض لهم الجناح، بل يعاملون بالشدة والغلظة. وقد بين تعالى هذا المفهوم في مواضع أخر. كقوله تعالىيٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } التوبة 73، وقولهأَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } الفتح 29 وقولهأَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } المائدة 54 كما قدمناه في المائدة.