الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }

قوله تعالى: { أَرَأَيْتُمْ }: قد تقدَّم ذلك غيرَ مرة. وقال الزمخشري هنا: " فإنْ قلت: أين جوابُ " أرأيتم " وما له لم يَثْبت كما ثبت في قصة نوح وصالح؟ قلت: جوابُه محذوفٌ، وإنما لم يَثْبُتْ لأن إثباتَه في القصتين دلَّ على مكانه، ومعنى الكلام ينادي عليه، والمعنىٰ: أخبروني إن كنت على حجة واضحةٍ ويقين مِنْ ربي و [كنت] نبياً على الحقيقة، أيصحُّ أنْ لا آمرَكم بترك عبادة الأوثان والكفِّ عن المعاصي، والأنبياءُ لا يُبْعَثون إلا لذلك؟ ".

قال الشيخ: " وتَسْمِيَةُ هذا جواباً لـ " أرأيتم " ليس بالمصطلح، بل هذه الجملةُ التي قَدَّرها في موضع المفعول الثاني لـ " أرأيتم " [لأن أرأيتم] إذا ضُمِّنَتْ معنى أخبرني تعدَّتْ إلى مفعولين، والغالبُ في الثاني أن يكون جملةُ استفهاميةً ينعقد منها ومن المفعول الأول في الأصل جملةٌ ابتدائية كقول العرب: " أرأيتك زيداً ما صنع " وقال الحوفي: " وجوابُ الشرط محذوفُ لدلالة الكلام عليه تقديره: أأَعْدِل عَمَّا أنا عليه ". وقال ابن عطية: " وجوابُ الشرط الذي في قوله " أن كنت " محذوفٌ تقديره: أضِلُّ كما ضَلَلْتُمْ أو أترك تَبْليغ الرسالة، ونحو هذا ممَّا يليق بهذه المحاجَّة ". قال الشيخ: " وليس قوله " أضلّ " جواباً للشرط؛ لأنه إن كان مثبتاً فلا يمكن أن يكونَ جواباً لأنه لا يترتَّب على الشرط، وإن كان استفهاماً حُذف منه الهمزةُ فهو في موضع المفعول الثاني لـ " أرأيتم " ، وجوابُ الشرط محذوفٌ يدل عليه الجملةُ السابقة مع متعلَّقها.

قوله: { أَنْ أُخَالِفَكُمْ } قال الزمخشري: " خالفني فلان إلى كذا: إذا قصده وأنت مُوَلٍّ عنه، وخالفني عنه: إذا وَلَّىٰ عنه وأنت قاصدُه، ويلقاك الرجل صادراً عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول: " خالَفَني إلى الماء " ، يريد أنه ذاهب إليه وارداً، وأنا ذاهبٌ عنه صادراً، ومنه قولُه تعالىٰ: { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } يعني أن أسْبِقَكم إلى شهواتكم التي نَهَيْتُكم عنها لأستبدَّ بها دونكم ". وهذا الذي ذكره أبو القاسم معنى حسنٌ لطيف ولم يتعرَّض لإِعرابِ مفرداته، لأنَّ بفهم المعنى يُفهم الإِعراب ولنذكر ما فيه:

فأقول: يجوز أن يكونَ " أن أخالفَكم " في موضع مفعولٍ بـ " أريد " ، أي: وما أريدُ مخالفتَكم، ويكون فاعَلَ بمعنى فَعَل نحو: جاوَزْتُ الشيءَ وجُزْته، أي: وما أريد أن أخالفكم، أي: أكونَ خَلَفاً منكم. وقولُه: { إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ } يتعلَّق بـ " أخالفكم " ، ويجوز أن يتعلَّق بمحذوف على أنه حال، أي: مائلاً إلى ما أنهاكم عنه، ولذلك قدَّر بعضُهم محذوفاً يتعلَّق به هذا الجارُّ تقديرُه: وأميل إلى أن أخالفكم، ويجوز أن يكونَ " أن أخالفكم " مفعولاً من أجله، وتتعلق " إلى " بقوله " أريد " بمعنى: وما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه، ولذلك قال الزجاج: " وما أقصد بخلافكم إلى ارتكاب ما أنهاكم عنه.

السابقالتالي
2