الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }

لما اسْتَقْصَى في المُنَاظَرَةِ مع اليَهُودِ والنَّصَارى، عَادَ إلى بيان الأحْكَامِ، وذكر منها جُمْلَةً:

أوَّلُهَا: ما يتعلَّقُ بالمطَاعِمِ والمَشَارِب واللَّذَاتِ، وهي هَذِه الآيَةُ، والمراد بالطَّيِّبَاتِ: ما تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ، وتميلُ إلَيْه القُلُوب وفيه قولان:

الأول: قال المُفَسِّرون -[رحمهم الله]- " ذكَّرَ النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - النَّاسَ يَوْماً في بَيْتِ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُونٍ - رضي الله عنه - فوَصَفَ القِيَامَة، وبالغ في الإنْذَارِ والتَّحْذِيرِ، فَرَقَّ له النَّاسُ وبَكَوْا، فاجْتَمَعَ عَشْرَةٌ مِنَ الصَّحَابَة - رضي الله عنهم أجمعين - وهُمْ: أبُو بَكْر، وعَلِيُّ بنُ أبِي طالبٍ، وعبْدُ الله بن مَسْعُود، وعَبْدُ الله بن عُمَر، وأبُو ذَرٍّ الغِفَاري، وسَالِم مَوْلى أبِي حُذَيْفَة والمِقْدَادُ بنُ الأسْوَد، وسَلْمَان الفَارِسِي، ومَعْقِلُ بنُ مقرّن - رضي الله عنهم -، وتَشاوَرُوا على أنْ يَتَرَهَّبُوا، ويَلْبِسُوا المُسُوحَ، ويُجْبُوا مَذَاكِيرهِمْ، ويصُومُوا الدَّهْرَ، ويقُومُوا اللَّيْل، ولا ينَامُونَ على الفُرُش، ولا يَأكُلُونَ اللَّحْمَ والوَدَكَ، ولا يَقْرَبُون النِّسَاء والطِّيب، ويَسِيحُوا في الأرْض، وحَلَفُوا على ذَلِكَ، فَبَلَغ النَّبِيَّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - [ذلك]، فأتَى دَارَ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ الجُمحِي، فَلَمْ يُصَادِفْهُ، فقالَ لامْرَأتِهِ أمِّ حَكِيم بِنْت أبِي أمَيَّة - واسمُهَا " الحَوْلاَء " ، وكانت عطَّارَة -: أحقٌّ ما بَلَغَنِي عن زَوْجِكِ وأصْحَابِه؟ فَكَرِهَتْ أنْ تَكْذِبَ، وكَرِهَتْ أنْ تُبْدِيَ على زَوْجِهَا، فَقَالَتْ: يا رسُول اللَّهِ: إن كانَ أخْبَرَكَ عُثْمَانُ فَقَدْ صَدَقَ، فانْصَرَفَ رسُول اللَّهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - فلَّما دَخَلَ عُثْمَانُ أخْبَرَتْهُ بذلك، فأتى رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - هُوَ وأصْحَابهُ، فقالَ لَهُمُ رسُولُ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -: ألَمْ أُنَبَّأْ أنَّكُم اتَّفَقْتُمْ على كَذَا وكَذَا، قَالُوا: بَلَى يا رسُول اللَّهِ، ما أرَدْنَا إلا الخَيْرَ، فقال - عليه الصلاة والسلام -: إنِّي لَمْ أؤمَرْ بِذلِكَ، ثُمَّ قال: إنَّ لأنْفُسِكُمْ عَلَيْكُمْ حقًّا، فصُومُوا وأفْطِرُوا، وقُومُوا ونَامُوا، فَإنِّي أقُومُ وأنَامُ، وأصُومُ وأفْطِر، وآكُل اللَّحْم والدَّسم، وآتِي النِّسَاء، فَمَنْ رَغِب عن سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي. ثمَّ جمع إليه النَّاس وَخَطَبَهُمْ فقَالَ: ما بَالُ أقْوَامٍ حَرَّمُوا النِّساء والطَّعام، والطِّيب والنَّوم، وشهوات الدُّنيا؟! أما إنِّي لَسْتُ آمُرُكُمْ أنْ تكُونُوا قِسِّيسِينَ ورُهْبَاناً، فإنَّه ليْسَ في دِينِي تَرْكُ اللَّحْمِ، ولا اتِّخاذ الصَّوَامِعِ، وأنَّ سِيَاحةَ أمَّتِي الصَّومُ، ورهبَانِيَّتُهُمُ الْجِهَادُ، اعبُدُوا اللَّه ولا تُشْرِكُوا به شَيْئاً، وَحجُّوا واعتَمِرُوا وأقِيموا الصَّلاة وآتُوا الزَّكاة، وصُومُوا رمضَانَ، واستَقِيمُوا يستقمْ لَكُمْ، فإنَّمَا هَلَكَ من كان قَبْلَكُم بالتَّشْديدِ، شَدَّدُوا على أنْفُسِهِم، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِم، فأُولَئِكَ بَقَايَاهُمْ فِي الدِّيَار والصَّوَامِعِ " ، فأنْزَلَ اللَّهُ هذه الآيَة.

وعن عُثْمَانَ بنِ مَظْعُون - رضي الله تعالى عنه

السابقالتالي
2 3