الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ }

{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } أي عند رؤية عذابنا لأن الحكمة الإلهية قضت أن لا يقبل مثل ذلك الإيمان. و { إِيمَـٰنُهُمْ } رفع بيك اسماً لها أو فاعل { يَنفَعُهُمْ } وفي { يَكُ } ضمير الشأن على الخلاف الذي في كان يقوم زيد، ودخل حرف النفي على الكون لا على النفع لإفادة معنى نفي الصحة فكأنه لم يصح ولم يستقم حكمة نفع إيمانهم إياهم عند رؤية العذاب، وهٰهنا أربعة فاءات فاءفَمَا أَغْنَىٰ } [غافر: 82] وفاءفَلَمَّا جَاءتْهُمْ } [غافر: 83] وفاءفَلَمَّا رَأَوْاْ } [غافر: 84] وفاء { فَلَمْ يَكُ } فالفاء الأولى: مثلها في نحو قولك: رزق المال فمنع المعروف فما بعدها نتيجة مآلية لما كانوا فيه من التكاثر بالأموال والأولاد والتمتع بالحصون ونحوها، والثانية: تفسيرية مثلها في قولك: فلم يحسن إلى الفقراء بعد فمنع المعروف في المثال فما بعدها إلى قوله تعالى:وَحَاقَ بِهِم } [غافر: 83] إيضاح لذلك المجمل وأنه كيف انتهى بهم الأمر إلى عكس ما أملوه وأنهم كيف جمعوا واحتشدوا وأوسعوا في إطفاء نور الله وكيف حاق المكر السيء بأهله إذ كان في قوله سبحانه: { فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } إيماءً بأنهم زاولوا أن يجعلوها مغنية، والثالثة: للتعقيب، وجعل ما بعدها تابعاً لما قبلها واقعاً عقيبه { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } مترتب على قوله تعالى: { فَلَمَّا جَاءتْهُمْ } الخ تابع له لأنه بمنزلة فكفروا إلا أن { فَلَمَّا جَاءتْهُمْ } الآية بيان كفر مفصل مشتمل على سوء معاملتهم وكفرانهم بنعمة الله تعالى العظمى من الكتاب والرسول فكأنه قيل: فكفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا، ومثلها الفاء الرابعة / فما بعدها عطف على آمنوا دلالة على أن عدم نفع إيمانهم ورده عليهم تابع للإيمان عند رؤية العذاب كأنه قيل: فلما رأوا بأسنا آمنوا فلم ينفعهم إيمانهم إذ النافع إيمان الاختيار.

{ سُنَّتُ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } أي سن الله تعالى ذلك أعني عدم نفع الإيمان عند رؤية البأس سنة ماضية في البعاد، وهي من المصادر المؤكدة كوَعْدَ ٱللَّه } [النساء: 122] وصِبْغَةَ ٱللَّهِ } [البقرة: 138]، وجوز انتصابها على التحذير أي احذروا يا أهل مكة سنة الله تعالى في أعداء الرسل.

{ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } أي وقت رؤيتهم البأس على أنه اسم مكان قد استعير للزمان كما سلف آنفاً. وهذا الحكم خاص بإيمان البأس وأما توبة البأس فهي مقبولة نافعة بفضل الله تعالى وكرمه، والفرق ظاهر. وعن بعض الأكابر أن إيمان البأس مقبول أيضاً ومعنى { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } أن نفس إيمانهم لم ينفعهم وإنما نفعهم الله تعالى حقيقة به، ولا يخفى عليك حال هذا التأويل وما كان من ذلك القبيل والله تعالى أعلم.

السابقالتالي
2 3