الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

يخاطب الحق جل جلاله اليهود ليفضحهم لأنهم طبقوا من التوراة ما كان على هواهم.. ولم يطبقوا ما لم يعجبهم ويقول لهم: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } [البقرة: 85]. إنه يذكرهم بأنهم وافقوا على الميثاق وأقروه. ولقد نزلت هذه الآية عندما زنت امرأة يهودية وأرادوا ألا يقيموا عليها الحد بالرجم.. فقالوا نذهب إلى محمد ظانين أنه سيعفيهم من الحد الموجود في كتابهم.. أو أنه لا يعلم ما في كتابهم.. فلما ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم هذا الحكم موجود عندكم في التوراة.. قالوا عندنا في التوراة أن نلطخ وجه الزاني والزانية بالقذارة ونطوف به على الناس.. قال لهم رسول الله لا.. عندكم آية الرجم موجودة في التوراة فانصرفوا.. فكأنهم حين يحسبون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيخفف حداً من حدود الله.. يذهبون إليه ليستفتوه. والحق سبحانه وتعالى يقول: { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } [البقرة: 85].. أي بعد أن أخذ عليكم الميثاق ألا تفعلوا.. تقتلون أنفسكم.. يقتل بعضكم بعضاً، أو أن من قتل سَيُقْتَلُ. فكأنه هو الذي قتل نفسه.. والحق سبحانه قال: { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } [البقرة: 85].. لماذا جاء بكلمة هؤلاء هذه؟ لإنها إشارة للتنبيه لكي نلتف إلى الحكم. وقوله تعالى: { وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ } [البقرة: 85] وحذرهم بقوله:وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ } [البقرة: 84].. وجاء هذا في الميثاق.. ما هو الحكم الذي يريد الحق تبارك وتعالى أن يلفتنا إليه؟ نقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة انتقل من دار شرك إلى دار إيمان.. ومعنى دار إيمان أن هناك مؤمنين سبقوا.. فهناك مَنْ آمن مِنْ أهل المدينة.. لقد هاجر المسلمون قبل ذلك إلى الحبشة ولكنها كانت هجرة إلى دار أمن وليست دار إيمان.. ولكن حين حدثت بيعة العقبة وجاء جماعة من المدينة وعاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به.. أرسل معهم الرسول مصعب بن عمير ليعلمهم دينهم.. وجاءت هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام على خميرة إيمانية موجودة.. لما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أفسد على اليهود خطة حياتهم.. فاليهود كانوا ممثلين في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة.. وكان هناك في المدينة الأوس والخزرج.. وبينهما حروب دائمة قبل أن يأتي الإسلام.. فاليهود قسموا أنفسهم إلى قوم مع الأوس وقوم مع الخزرج حتى يضمنوا استمرار العداوة.. فكلما هدأ القتال أهاجوا أحد المعسكرين على الآخر ليعود القتال من جديد.

السابقالتالي
2 3 4