الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

وقرئ " ملكة كل شيء " و " مملكة كل شيء " واعلم أن المَلَكة كالملكوت في المعنى، كما أن المملكة كالملك فيه.

وقرئ " ترجعون " - بضم التاء وفتحها -.

فسبحان - تقديس لذاته تعالى عن مباشرة الأجسام في فاعليته وإيجاده للأشياء، وعن استعماله القوى والآلات في صانعيته للموجودات، وتنزيه له عما يوصفه الجاهلون، وتعجيب من أن يقولوا فيه ما قاله الملحدون، و " الفاء " للتفريع على ما ثبت في الآية السابقة من كيفية صنعه وإبداعه، حيث بيّن فيها أن إيجاده لشيء عين إرادته.

وقوله تعالى:كُن فَيَكُونُ } [يس:82] فيتفرع عنه تقديس الله عن القصور من الكمال والفتور في الأفعال، لأنه الذي بيده ملكوت الأشياء، وله التصرف بموجبات (بمواجب) مشيته وقضايا حكمته فيما شاء، وإليه رجوع كل شيء، لأنه الغاية الأصلية لكل ظلّ وفيء.

حكمة قرآنية فيها اشارات ربانية

أولاها: الإشارة إلى تقديس ذاته وتنزيه صفاته عن وصمة التغير والتجدد في نسبة الأفعال الحاصلة من مصادرها بالإنفعال إليه تعالى، وإبطال ما ارتكز في أوهام أقوام من أهل الكلام " إن الفاعل ليس إلاّ ما هو علة التغير " واشترط عندهم في مفهوم الفاعلية سبق الزمان موجوداً أو موهوماً.

وأما الإبداع المحض من غير اشتراط سبق زماني للفاعل بالذات على مجعوله، ولا اقترانه بعدم المجعول وهو التأييس (التأسيس) المطلق له من ليس ساذج غير زماني، فقوم لا يسمون مثل هذا التأييس (التأسيس) المطلق " فعلاً " ، لاشتراطهم انتقال الفاعل من حالة إلى حالة، وسبق العدم الزماني فيه، وهو وهم باطل، إنما حداهم إليه حسبانهم إن حدوث العالم منه تعالى لا يتمشى إلاّ بهذا الوجه.

وقد أوضحنا هذه المسألة بما لا توقف لها على نسبة التغير إليه سبحانه، وفي القرآن تنبيهات بليغة على أن فعله تعالى ليس إلاّ الإبداع الصرف والتأييس (التأسيس) المحض، من غير مباشرة ولا تغير وانفعال وتكثر، وقوله: { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } إشارة إلى تفريع الحكم السابق بأن فعله ليس إلاّ بأمره المطلق وإرادته المطلقة، الخالية عن شوب قصور ووصمة حدوث وفتور.

الاشارة الثانية

الإشعار إلى تقديس ذاته وتنزيه صفاته عن أن يكون افتقار الممكن إليه في الحدوث فقط من جهته لا في البقاء، كما ذهب إليه أيضاً أوهام هؤلاء القاصرين من المتكلمين، لما رأوا أن الابن يبقى بعد الأب، والبناء يبقى بعد البنّاء، والسخونة تبقى بعد النار، ولم يتفطنوا أن هذه الأمور ليست عللاً بالحقيقة، فوقعوا في الغلط بسبب " أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ".

وقد برهن في الحكمة الحقّة، على أن جسماً من الأجسام - ولا أحد جزئيه - لا يكون علة لجسم آخر ولا لأحد جزئيه، وعلى أن علة كل جسم لا يكون إلاّ ما هو بريء عن مخالطة الأجسام والمواد.

السابقالتالي
2 3 4 5